جاء الإسلام ليكون دين الرحمة و العدل و الأخلاق الكاملة المتكاملة جاء ليحقق السعادة للإنسان في دنياه و آخرته ، جاء ليبين له الطريق القومي
و الصراط المستقيم المؤدي إلى الحق هادفاً من ذلك إلى سعادة الإنسان و تحقيق الرفاهية له .
فهو دين ينبذ القتال و الحرب و الفرقة و الخلاف و يدعو إلى السلم و الأمن و احترام حقوق الإنسان ، و لذلك القواعد و المبادىء النابعة من تعاليم القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة ، فقد أرسى
الإسلام قواعد تحدد للمسلم كيفية التعامل مع الأعداء قبل الأصدقاء ، قواعد المعاملة مع الأسرى و الجرحى و المحاربين . فهو يدعو إلى الجدال
و التفاوض و الحوار بأحسن الطرق .
دبلوماسية الخلفاء الراشدين :
سار الخلفاء الراشدون عليهم رضوان الله على الطريق المستقيم الذي رسمه لهم محمد ( صلى الله عليه و سلم ) و ساروا أيضاً على خطاه في العمل الدبلوماسي الذي قام
على تفضيل السلم و نبذ الحرب و خصوصاً أن الدولة الإسلامية بدأت خطوات التوسع و الامتداد و الانتشار الذي كان لابد منه لتوصيل رسالة الإسلام إلى كل الناس لأنها رسالة عامة شاملة خاتمة للناس أجمعين .
وضع النبي ( عليه الصلاة و السلام ) القواعد الأساسية للدولة الجديدة و كان لزاماً على من جاء بعده من الخلفاء الراشدين الذين تربوا في مدرسته
أن يكملوا البنيان و أن يعلوا الصرح
و أن يشيدوا دولة الحق و العدل و السلام .
سار أبو بكر بهدوئه و اتزانه و حكمته و سداد رأيه على منهج الرسول ( صلى الله عليه و سلم ) في منع الفتنة و حقن دماء المسلمين
و خطب في الناس واضعاً
منهاجاً دبلوماسياً يتسم بالحكمة و الدهاء و الذكاء ( و هو استقامة ولي الامر تعني استقامة الرعية و إن حاد ولي الأمر عن الطريق وجب على الرعية الصالحة تقويم اعوجاجه و إصلاحه حيث يقول : أطيعوني ما أطعت
الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم … ) ، أليست هذه دبلوماسية بارعة ؟ فأي زعيم أو قائد يطلب من شعبه أن لا يطيعوه ، لو لا أنه يمتلك الثقة بنفسه بأنه قادر على إدارتهم و رعايتهم
بأحسن الطرق الدبلوماسية و افضل وسائل السياسة المرعية . هذا دهاء و هذه حكمة تدل على البراعة الدبلوماسية الهادئة المتزنة الواثقة من نفسها .
لم يقاتل أبو بكر إلا عندما وجد أن الأمر تجاوز حدود الدبلوماسية
و ان مقتضيات وجود الدولة الإسلامية تفرض عليه إصلاح ما فسد من الأمر ، و تقويم اعوجاج من حاد عن الطريق بعد أن عرف الحق و اتبعه .
أما فاروق الحق الخليفة العادل عمر بن الخطاب فقد كان حازماً شديداً قوياً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم عامل الناس بالعدل و المساواة
و رغم ذلك فقد كان دبلوماسياً بارعاً قاد بنفسه حركة الدبلوماسية التي ضرب فيها مثلاً لم يسجل له التاريخ شبيهاً ، عندما فتح القدس بنفسه
جعل من ذاته رسولاً مبعوثاً ، سفيراً يفاوض
الناس و يعطيهم الأمان و يضرب مثلاً رائعاً في دبلوماسية التسامح و الحوار و التفاوض ليكون بذلك مثلاً لم يشابهه أحد في التاريخ ،
ها هو يصل ماشياً
إلى القدس سفيراً متواضعاً ، يلبس ثوباً ممزقاً مرقعاً ، زهد في الدنيا رغم أنه امتلكها كلها و لكنه زهد الأتقياء و المؤمنين و الحاكم القدوة و المثل .
ها هو يكتب عهداً
سجله التاريخ بحروف من نور ، " عهده عمرية " تعطي الأمان للسكان لأنفسهم و أموالهم و كنائسهم و صلبانهم و يكتب فيها عهداً اقتدى فيه برسول البشرية ، عهداً أن لا تهدم دور العبادة و لا ينتقص من خيرها و لا من
شيء من أموال أهلها ، و كتب لهم الأمان على انفسهم سواء بقوا فيها ( القدس ) أو غادرها …
أليست هذه مواثيق الإسلام الخالد و عهوده التي ليس فيها نقيض أو غدر أو خيانة ، هذه هي دبلوماسية الإسلام ، حفاظ على الوعد
و احترام للعهد و الميثاق ، دبلوماسية التفاوض و الحوار و الجدال بالتي هي أحسن .
سار عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب ( رضي الله عنهما ) على نهج من سبقهم من الخلفاء الراشدين في التعامل مع الناس الإحسان و الرحمة
و العطف و نبذ العنف
و القتل و الدمار كانت الخلافة الراشدة هي امتداد لعهد النبوة و ذلك لأن الخلفاء الراشدين اقتفوا أثر النبي (صلى الله عليه و سلم )
في كل صغيرة و كبيرة ، سواء على
المستوى الداخلي للدولة الإسلامية الفتية أو على المستوى الخارجي و علاقات هذه الدولة مع غيرها من دول الجوار ،
بالإضافة إلى ما يستجد من
ظروف محيطة قد تؤثر في مجريات الحياة في الدولة الإسلامية
بارك الله فيك
نحن بأمس الحاجة إلى هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه