بسم الله الرحمن الرحيم و به على كل خير نستعين
أما بعد :
إن الإسلام – دينَ الله عز وجل الذي رضيه لعباده ولا يرضى لهم دينًا سواه- دينٌ كامل من جميع الوجوه وفي جميع الأبواب والمجالات ، حيث جاء بما يحقق للعباد العزَّ والرفعة ، والسلامة والأمان ، والصلاح والفلاح ، والسعادة في الدنيا والآخرة . ولا يزال أهل الإيمان بخير ماداموا متمسكين بآداب هذا الدين العظيمة وتوجيهاته السديدة عن رضًا وإيمان وقَبولٍ وتسليم .
وإن من توجيهات الإسلام السديدة وهداياته العظيمة ؛ بيان ما يجب على الرعية تجاه الراعي ، وعلى المحكومين تجاه الحاكم من حقوقٍ عظيمة لا تنتظم مصالح العباد الدينية والدنيوية إلا بها ؛ فإن الرعية متى رعَوا تلك الحقوق واعتنوا بها انتظمت جميع مصالحهم الدينية والدنيوية ؛ من أمنٍ وأمانٍ ، وبُعد عن القلق والاضطراب والمخاوف ، وانتظامٍ لجميع المصالح.
فإن من المتقرر أنه لا دين إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمام ، ولا إمام إلا بسمع وطاعة ؛ فهي أمورٌ آخذ بعضها ببعض ، لابد من مراعاتها والعمل على تحقيقها لتنتظم جميع مصالحهم .
وجِماع حقوق ولاة الأمر على الرعية ترجع إلى خمسة حقوق عظيمة ؛ لابد من العلم بها ، والعمل على تحقيقها :
– الحق الأول :
النصح لولي الأمر ، والحذر الشديد من الغش والحقد والحسد والغل ونحو ذلك ؛ فإنَّ ما كان من هذا القبيل فإنه ليس من الإسلام في شيء وإنما هو من أعمال الجاهلية، ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ))قُلْنَا: [color="rgb(0, 100, 0)"]«لِمَنْ يا رسول الله ؟» قَالَ:[color="rgb(0, 100, 0)"] ((لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ))[/color] [/color]. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [color="rgb(0, 100, 0)"]((ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَالنُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ))[/color] وهو حديثٌ تواتر نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه عنه جمع من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
– الحق الثاني :
عقد البيعة للإمام القائم ببيعة أهل الحل والعقد له ؛ وهم العلماء والوجهاء ، وبقية الناس تبَع . وأما التخلي عنها وعدم التقبُّل لها فإنه من أمر الجاهلية ، وقد جاءت الشريعة بالتغليظ في ذلك والتحذير منه ، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولَا حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)) ، ولهذا لا يحل لمسلم أن يبيت ولا ليلة واحدة وليس في عنقه بيعة للإمام القائم الذي بايع له أهل الحل والعقد ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية .
– الحق الثالث :
السمع والطاعة للإمام في المنشط والمكره والعسر واليسر وفي أثرَة على العباد ، ما لم يؤمر العبد بمعصية الله ، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((عَلَى الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ما لم إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ)) ، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [color="rgb(0, 100, 0)"]((عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ)) .
[/color]
– الحق الرابع :
وجوب الحذر من الخروج على الإمام ونقض البيعة ونزع اليد من الطاعة ؛ فإن ذلك كله من أعمال الجاهلية وصفاتهم ، وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة عن نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه منها : ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)). والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ معلومة .
– الحق الخامس:
الحذر من سب الولاة ولعنهم وشتمهم والوقيعة فيهم وانتقاص مكانتهم ؛ فإنَّ ذلك يجلب شرًا عظيما وبلاءً مستطيرا ، وقد جاء في النهي عن ذلك نصوص ، وقد روى ابن أبي عاصم في السنة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : «نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكَمْ ، وَلَا تَغُشُّوهُمْ ، وَلَا تُبْغِضُوهُمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيب » ، وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : [color="rgb(0, 100, 0)"]«إِيَّاكُمْ وَلَعْنَ الْوُلَاة ، فَإِنَّ لَعْنَهُمُ الْحَالِقَة ، وَبُغْضَهُمُ الْعَاقِرَة» [/color].
بل إن الواجب تجاه الولاة [color="rgb(0, 100, 0)"]الدعاء لهم بالخير والصلاح والتسديد والمعافاة[/color] ، واعلم رعاك الله أن دعاءك لولي الأمر دعاءٌ لنفسك وللأمة ؛ فإن صلاح ولي الأمر صلاحٌ للأمة ، وقد جاء عن الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أنه قال : «إني لأدعو للخليفة بالتسديد والتوفيق بالليل والنهار وأرى ذلك واجبًا عليَّ» .
ولنذكر نعمة الله تبارك وتعالى علينا في هذا البلد المبارك والوطن المبارك على ما نعيشه من أمنٍ وأمان وسلامةٍ وإسلام وعافية ، فإنها نعمةٌ عظيمة جديرٌ بكل واحدٍ منَّا أن يذكرها ، وأن نشكر المنعِم جل في علاه ؛ فإن الشكر مؤذن بالمزيد ، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم:7] .
وما نعيشه في هذه البلاد بين الرعاة والرعية من محبةٍ ووئام وودٍّ وإخاء وتبادل دعاء يعَدُّ نعمة عظيمة ومنَّة جسيمة منَّ الله تبارك وتعالى علينا بها ، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[(خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ)) ؛ أي تدعون لهم ويدعون لكم . وهذا – من فضل الله ومنِّه وكرمه – واقعٌ نعيشه ، نسأل الله الكريم المزيد من فضله .
الشيخ عبد الرزاق البدر – حفظه الله –