العائدون إلى الوراء و الراكضون خلف السراب
الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين .
الطريق إلى طلب العلم و الدعوة إلى الله – عزّ و جلّ – طويلة و شاقة , و لا تخلو مِن عثرات و زلاّت , و سواء قلّتْ أم كثرُت تكون صعبة لمن لم يستفد مِن عثراته و زلاّته , و ربما تكون فاتحة خير لمن تعلـّم
و استفاد للوصول إلى تحقيق مرضات الله عزّ و جلّ .
فالذين تنكّبوا طريق السلف , تراهم حيارى , لم يسلكوا طريق العلم و العلماء , فتراهم يقدّمون رِجْلاً
و يؤخّرون أخرى , و كلما ساروا قليلاً رجعوا إلى الوراء , فهؤلاء ضلوا الطريق , و عاشوا صراعاً مريراً مع أنفسهم لأنهم ظنّوا أنّ السراب ماء, فخابوا و خسروا و بِئس ما فعلوا .
فالخطأ صفة ملازمة للإنسان لا ينجو منها أحد إلا الأنبياء المعصومين , لقوله- صلى الله عليه و سلم- :" كلُّ ابن آدم خطّاء و خيرُ الخطائين التوابون "
و الخطأ في حد ذاته ليس عيباً , و لكن العيب أنْ تعرف الخطأ و تُصرُّ عليه عناداً و استكباراً , فلا ينظر المخطئ إلى المسائل العلمية إلا بمنظاره , فيدور في فلكه قبولاً و رداً , فلا يقبل قول غيره و لا يسمع بعد قوله قولاً مِن غير حجة و لا برهان , و الحق ما قاله شيخه و إن خالف الدليل , و الباطل ما خالف قول شيخه ولو دلَّ عليه الدليل , و هذا في حقيقة الأمر هو التعصب لآراء الرجال و أقوالهم , و هذا هو الذي أجمعتْ عليه الأمة على أنَّه محرم في دين الله , و هذا اضطراب في منهج التلقي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :" و ليس مما أمر اللهُ به و رسولُه , و لا مما يرتضيه عاقل , أنْ تقابل الحجج القوية بالمعاندة و الجحد , بل قول الصدق , و التزام العدل لازم عند جميع العقلاء "
فعلى طالب العلم أنْ يتبع الدليل , و لا يلتفت إلى مخالفِهِ مهما كان , و كذا المخالف عليه أنْ يقبل النقد بدليله , و هذا يُعتبر ضرورة ملحة لا يُستغنى عنها , و هذا هو العدل و الإنصاف و التجرد لله , و هو مِن باب النصيحة و التواصي بالحق المأمور به شرعاً , و لا نتعصب لأحد على حساب أحد , و لا نترك العلم من أجل فلان , و لا نهجر أحداً من أجل فلان , و لا نرجع إلى الوراء من أجل فلان , و لا نركض خلف السراب مِن أجل فلان ,فالمقياس في هذا كله الإتباع,وليس الهوى والتقليد و التعصب,فالحق أحق أن يتبع .
و الطريق الوحيد للخروج من هذا التخبط المنهجي , هو طريق أهل السنة و الجماعة , طريق الطائفة المنصورة و الفرقة الناجية , أهل الحديث و الأثر , و التميُّز عن أهل الأهواء و البدع , و التحذير من الذين يدّعون كذباً و زوراً – وواقعهم يشهد بذلك – أنهم على منهج أهل السنة و الجماعة , و مفاصلتهم , و عدم الركون إليهم و الاغترار بهم .
و مِن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين يتبعون العلم و العلماء , حيث النور و الهداية , و بين الذين يركضون خلف السراب , لا حصّلوا علماً نافعاً , و لا نالوا بركته , إنما الغيبة و النميمة و الأكل من لحوم العلماء .
قال تعالى : " و لو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم و أشدَّ تثبيتاً " فلو ربطوا أنفسهم بالقرآن و السنة تلاوةً و حفظاً و تفسيراً و تدبراً , لانعكس ذلك على أخلاقهم و سلوكهم , و معاملاتهم , و لكن جعلوا القيل و القال جلَّ همهم و شُغلهم الشاغل .
فهل هذا المنهج يقوِّي الإيمان و يزكِّي النفوس بالصلة بالله ؟ أم هو الكذب و التتبع لعورات المسلمين , و الانتكاسات تلو الانتكاسات , و إثارة الفتن و القلاقل بين أصحاب المنهج الواحد لتفريق كلمتهم و صرفهم عن دروسهم العلمية , حسداً و غيرةً و حقداً و كرهاً , حتى تفرغ الساحة للجهلة أمثالهم , فويلٌ لهم عند ربهم .
قال تعالى : " و أنيبوا إلى ربكم و أسلموا له مِنْ قبل أنْ يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون "
ألا تتعظون بغيركم , ألا تتعظون بعيوبكم و أخطائكم , كفاكم رجوعاً إلى الوراء , كفاكم ركضاً خلف السراب , تركتم نعمة ربكم عليكم , و لم تحافظوا عليها , حرمتم أنفسكم من خير بقاع الأرض ( المساجد ) و هجرتم رياض الجنة ( مجالس العلم ) و ما زلتم تُصرّون على أنَّ السراب ماء , فالسراب هو السراب فلا تضيعوا أوقاتكم بالركض خلفه , تقدَّموا إلى الأمام , إلى العلم و العلماء , إلى الخُلُق و الأدب , إلى الاستفادة مِن أوقاتكم ,إلى طاعة ربكم , فلا خير فيكم إنْ لم تضعوا أيديكم في أيدي إخوانكم طلاب العلم السلفيين , و تشدّوا أزرهم , حتى لا تتخطفكم شياطين الإنس و الجن .
قال – صلى الله عليه و سلم – :" يد الله مع الجماعة و مِنْ شذَّ شذَّ إلى النار "
و أولى الناس بالموالاة و المحبة بعد موالاة الله ومحبة رسوله – صلى الله عليه و سلم – العلماء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله :" فيجب على المسلمين بعد موالاة الله تعالى و رسوله – صلى الله عليه و سلم – موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن, خصوصاً العلماء الذين هم ورثة الأنبياء , الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يُهتدى بهم في ظلمات البر و البحر, و قد أجمع المسلمون على هدايتهم و درايتهم "
فطريق العلم و العلماء نور , و طريق حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام سراب , و من سلك هذا الطريق , عَلِم الفرق بينهما , فعوامُّ الناس يدركون هذه الفروقات و بكل سهولة فضلاً عن طلاب العلم .
فهؤلاء القوم حُرموا الرفق , و مِنْ ثَمَّ حُرموا الخير كله , كما قال – صلى الله عليه و سلم – :
" مَنْ يُحرم الرفق يُحرم الخير كله "( رواه مسلم)
و لم يقتصروا على هذا , بل سلكوا سبل التنفير , فتراهم يتفننون في ابتكار أساليب منفرة لصرف الناس عن هذه الدعوة المباركة , دعوة الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة , تارة بالكذب , و تارة بالتحذير
و التشهير , و تارة بالغمز و اللمز , و كل هذه الأساليب الشيطانية تحت شعار مصلحة الدعوة – زعموا – و لو نطقوا بالحق لقالوا كل هذه الأساليب انتصاراً للنفس و الهوى , فأين هم مِن منهج الأنبياء و الرسل في الدعوة إلى الله .
قال تعالى :" ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن "
و قال – صلى الله عليه و سلم – :" يسِّروا و لا تُعسِّروا و بشِّروا و لا تُنفِّروا "
و أين هم مِن أخلاق الأنبياء و الرسل مِن الصدق و الأمانة و غيرهما مِن الأخلاق الحميدة التي تُقرِّب صاحبها مِن مجلس النبي صلى الله عليه و سلم – يوم القيامة .
قال- صلى الله عليه و سلم – :" إنَّ مِن أحبكم إليّ و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً , و إنّ أبغضكم إليّ و أبعدكم مني يوم القيامة , الثرثارون و المتشدقون و المتفيهقون " قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون و المتشدقون , فما المتفيهقون ؟ قال : " المتكبرون "
و " الثرثار " :-هو كثير الكلام تكلفا ً, و" المتشدق " :-المتطاول على الناس بكلامه و يتكلم بملء فيه تفاصحاً و تعظيماً لكلامه , هذه هي أخلاقهم التي اكتسبوها مِن بعضهم البعض بلا ورع و لا تقوى و لا دين , فسيأتي اليوم الذي يُسقط فيه بعضُهم بعضاً , و ها هي سقطاتهم بدأت تظهر على حالهم .
قال تعالى :" و لا يحيقُ المكرُ السيئ إلا بأهله "
فندعو الله أن يجعل كيدهم في نحورهم و نعوذ به مِن شرورهم .
منقول من منتديات البيضاء العلمية
بارك الله فيك أخي.
: إذا أردتَ الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردتَ الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معًا فعليك بالعلم
بارك الله فيك وجزاك خيرا
آمين وفيكم بارك الرحمن
بارك الله فيك اشكرك على موضوعك القيم