الدولة الرستمية
قصة الإسلام
الدولة الرستميةتُعَدّ الدولة الرستمية التي تعتنق الفكر الإباضيّ أحد فروع الخوارج. والخوارج فرقة من المسلمين خرجت على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصحبه بعد قصة التحكيم، ومن خروجهم أخذوا اسم الخوارج. وهذه الفرقة أشد الفرق الإسلامية دفاعًا عن مذهبها، وأشدها تهورًا واندفاعًا، وحماسة لآرائها، مستمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها، واتخذوها دينًا لا يحيدون عنها. ويتصف الخوارج بحبِّ الفداء والرغبة في الموت، والاستهداف للمخاطر من غير دافع قوي يدفع إلى ذلك.
والإباضية هي إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى عبد الله بن إباض التميمي. ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج، وينفون عن أنفسهم هذه النسبة. وقد دخل مذهب الإباضية إلى إفريقية في النصف الأول من القرن الثاني، وانتشر بين البربر حتى أصبح مذهبهم الرسمي.
والدولة الرستمية هي دولة إباضية خارجية أسَّسها عبد الرحمن بن رستم من أصل فارسي، وكانت قاعدتها مدينة تاهرت بالمغرب الأوسط (الجزائر). ازدهرت مدينة تاهرت على عهد بني رستم حتى صارت ملتقى للتجَّار والعلماء والطلبة من جميع أنحاء العالم الإسلامي؛ وذلك لأنَّ عبد الرحمن بن رستم كان عادلاً مصلحًا، ساعيًا إلى ازدهار الحياة العامة في أنحاء دولته، وكان كثيرٌ من غير الإباضية يتجهون إلى تاهرت آمنين على أنفسهم وممتلكاتهم.
وقد قامت علاقات متينة بين الدولة الأموية في الأندلس والرستميين على أسس الصداقة المتبادلة، حيث إن مؤسِّس الدولة الأموية بالأندلس – وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك – حين فرَّ من العباسيين لجأ إلى المغرب الأوسط، وأقام بين بني رستم الذين حافظوا عليه، وأجاروه من الأخطار التي كانت تواجهه. ومن هنا كان من الطبيعي أن يحدث التآلف بين أمراء بني أمية في قُرطبة وبين الأئمة الرستميين في تاهرت.
لقد تعرضت الدولة الرستمية لعددٍ من الثورات، ومنها ثورة (النُّكَّار) الذين أنكروا إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستميِّ. وكانت الثورة الأخيرة التي أودت بالدولة الرستمية واقتلعتها من جذورها، فتنةً ليست بين صفوف الرعيَّة، وإنما اشتعلت نيرانها بين أسرة الإمامة نفسها؛ لأن الذين قاموا بها اثنان من أبناء أخي الإمام نفسه، إذ انقضَّ اثنان من أبناء أبي اليقظان -شقيق الإمام- على عمِّهما وقتلاه وولَّيا مكانه والدهما أبا اليقظان؛ مما قبَّح صورته أمام الناس، وكان هذا الغدر إيذانًا بغروب شمس دولة كانت عظيمة، إذ لم يكد يمضي على هذه الحادثة غير وقت قصير حتى قضت عليها الدولة العبيديّة.
الخوارج.. خلفيات تاريخية
ظهر الخوارج في جيش علي رضي الله عنه عندما اشتدَّ القتال بينه وبين معاوية بن أبي سفيان في صفين، وعندما عرضت فكرة التحكيم وأصر عليٌّ على كرم الله وجهه القتال، خرجت عليه خارجة من جيشه تطلب إليه أن يقبل التحكيم، فقَبِله مضطرًّا لا مختارًا، وحث التحكيم الذي لم يسفر عن شيء. ومن الغريب أن هذه الخارجة التي حملت عليًّا رضي الله عنه على التحكيم جاءت بعد ذلك، واعتبرت التحكيم جريمة كبيرة، وطلبت إلى عليٍّ أن يتوب عمَّا ارتكب؛ لأنه كَفَر بتحكيمه كما كفروا هم وتابوا (كما يزعمون كذبًا وزُورًا)، وتبعهم غيرهم من أعراب البادية، وصار شعارهم (لا حكم إلا لله)، وأخذوا يقاتلون عليًّا كرم الله وجهه بعد أن كانوا يجادلونه ويقطعون عليه القول .
وهذه الفرقة أشد الفرق الإسلامية دفاعًا عن مذهبها، وحماسة لآرائها، وأشد الفرق تدينًا في جملتها، وأشدها تهورًا واندفاعًا، وهم في اندفاعهم وتهورهم مستمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها، وظنُّوا هذه الظواهر دينًا مقدسًا، لا يحيد عنها مؤمن، وقد اخترعت ألبابهم كلمة (لا حكم إلا لله)، فاتخذوها دِينًا ينادون به، فكانوا كلَّما رأوا عليًّا رضي الله عنه يتكلم قذفوه بهذه الكلمة.
وقد استهوتهم أيضًا فكرة البراءة من سيدنا عثمان، والإمام علي، والحكام الظالمين من بني أميَّة، حتى احتلَّت أفهامهم، واستولت على مداركهم استيلاءً تامًّا، وسدَّت عليهم كل طريق يتجه بهم للوصول إلى الحق.
وكان من صفات الخوارج أيضًا حبُّ الفداء والرغبة في الموت والاستهداف للمخاطر من غير دافع قوي يدفع إلى ذلك، وربما كان منشؤه هَوَسًا عند بعضهم، واضطرابًا في أعصابهم لا مجرَّد الشجاعة، وإنهم ليشبهون في ذلك النصارى الذين كانوا تحت حكم العرب بالأندلس، فقد أصاب فريقًا منهم هوسٌ جعلهم يُقبِلون على أسباب الموت وراء عصبيَّة جامحة، فأراد كل واحد منهم أن يذهب إلى مجلس القضاء ليسبَّ (محمدًا) ويموت، فتقاطروا في ذلك أفواجًا أفواجًا حتى تَعِب الحُجَّاب من ردِّهم، وكان القضاة يصمُّون آذانهم حتى لا يحكموا بالإعدام، والمسلمون مشفقون على هؤلاء المساكين، ويظنونهم من المجانين.
وكان من الخوارج من يقاطع عليًّا رضي الله عنه في خطبته، بل من يقاطعه في صلاته، ومن يتحدَّى المسلمين بسبِّ عليٍّ وعثمان، ورَمْي أتباعهما بالشرك. ولقد قتلوا عبد الله بن خَبَّاب بن الأرَتِّ، وبقروا بطن جاريته، فقال لهم علي كرم الله وجهه: ادفعوا إلينا قتلته. فقالوا: كلُّنا قتلته. فقاتلهم عليٌّ حتى كاد يبيدهم، ولم يمنع ذلك بقيتهم من أن يسيروا سيرهم، وينهجوا مناهجهم، ويتبعهم مَن هم على شاكلتهم من أعراب البادية الذين اعتراهم مثل ذلك الهوس الفكري
الإباضية.. خلفيات تاريخية
كان الخوارج كثيري الانشقاق والخروج على بعضهم البعض، وتكفير بعضهم بعضًا لأقلِّ الأسباب؛ ولذا نجد أن فرقهم قد تعددت، وتنوَّعت، ما بين الصفرية والأزارقة والعجاردة والميمونية والنجدات والإباضية، وغيرهم كثير..
أمَّا بالنسبة للإباضية فهم أشهر الفرق التي تُنسَب إلى الخوارج؛ ذلك أنهم لا يزالون حتى يومنا هذا يسكنون في عُمَان وزنجبار وشمال إفريقيَّة. والإباضية هم أصحاب عبد الله بن إباض، وكانت لهم صولة في الجزيرة العربية، وعلى الأخصِّ في حضرموت وصنعاء ومكة والمدينة.
ولكنهم يغضبون كثيرًا حين يسمعون أحدًا ينسبهم إلى الخوارج، ويبرءون من تسميتهم بالخوارج ويقولون: نحن إباضية، كالشافعية والحنفية والمالكية، ويقولون: إنهم رُمُوا بهذا اللقب لأنهم رفضوا القرشيَّة، أي التزام كون الإمام من القرشيين.
وقد دخل مذهب الإباضية إلى إفريقية في النصف الأول من القرن الثاني، وانتشر بين البربر حتى أصبح مذهبهم الرسمي. وقد حكم الإباضيون في شمال إفريقيَّة حكمًا متصلاً مستقلاًّ استمر مائة وثلاثين سنة حتى أزالهم الفاطميون.
فعلا الموضوع مهم