بسم الله الرحمن الرحيم
تفريغ : (لتتبعن سنن من كان قبلكم) لفضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي – حفظه الله تعالى –
خطبة جمعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
(( يا أيها الذين آمناوا اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) [ آل عمران 102] .
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تسآلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) [ النساء : 1].
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) [ الأأحزاب : 70 ـ 71 ] .
أمابعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد : فيا أمة الإسلام احمدوا الله على نعمته العظيمة التي أنعم بها عليكم ، ألا وهي هدايتكم إلى هذا الدين العظيم (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمي ورضيت لكم الإسلام دينا )) [ المائدة: 3 ].
(( ومن يبتغ الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) [ آل عمران:85 ] .
خصّكم الله سبحانه وتعالى بهذه النعمة في حين أن غيركم قد أضله عنها (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) [ يونس : 58 ].
" والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " .فالحمد لله الذي أنقذنا وإياكم من النار وجعلنا وإياكم من أتباع النبي المصطفى المهتدى المختار صلوات الله وسلامه عليه .
أمة الإسلام ، إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يرى عجبا ، والقارئ لسنة الله سبحانه وتعالى في الكون والناظرفي كتاب الله وسنة رسوله لا يستغرب من ذلك لأن هذه السنن قد نزلت بالأمم قبلنا ، وما نحن إلا من سائر الأمم . أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته ، كما أخبرنا القرآن عنها بصريح عباراته قال جلّ وعلى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )) [ البقرة : 120 ] .
(( لا تجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا )) [ المائدة : 82 ].
أيها المؤمنون ، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن الشرسيقع في هذه الأمة كما وقع في الأمم قبلها .
فأخبر عليه الصلاة والسلام " أن اليهود افترقت على إحدى وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة . وفي اللفظ الآخر على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " قيل من هم يا رسول الله ؟ قال : "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي " . أيها المسلمون ، إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يرى كثيرا منهم قد استغرب أو شرّق اتباعا للغرب أو الشرق وترك ما جاء به أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم بدعاوى باطلة وحجج واهية هي كبيت العنكبوت .
أيها المسلمون ، إنه لا عز لنا والله إلا بهذا الدين ولا رفعة إلا بالتمسك به ولا علو في الأرض إلا باتباعه ( نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ) واعلموا أن الأمر كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم فاختلافنا نحن وتركنا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يسلط العدوعلينا ما لم نغلبهم بفضلنا لن نغلبهم بقوتنا .
إن الله فضّلنا على السائر الأمم بهذا الدين (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكروتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ))[ آل عمران : 110 ] .
أمة الإسلام ، إن الشر قد اخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرنا أنه سيقع فينا" لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " . قيل : " اليهود والنصارى يا رسول الله ؟ قال :" فمن ؟ !!إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يرى كثيرا من أبنائهم قد غُلب على أمره واستُحكم على قلبه وأصبح مبهورا بأعداء الله ، مبهورا في قلبه لما يراه منهم من تقدم دنيوي لكنه لا يغنيهم عند الله شيئا ، ولا يغني عنهم من الله شيئا .
((يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الأخرة هم غافلون )) [ الروم : 7 ].
أما ترضون يا عباد الله بما أخبركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون أن تكون لهم الدنيا وتكون لكم الأخرة ؟
أمة الإسلام إن رسولكم صلى الله عليه وسلم قال هذا القول ثمّ هوعليه الصلاة والسلام متوسدا وسادة حشوها ليف قد أثرت في جنبه صلى الله عليه وسلم فقال له أبو بكر أو عمر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله تنام على هذه وفارس والروم يتقلبون في النعم ؟ قال : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة " ؟ .أمة الإسلام ، إنكم أمة تطلبون الآخرة وإذا طلبتموها بصدق واتبعتم ما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم وتمسكتم به أظهركم الله في الدنيا وأظهركم على عدوكم أجمعين وكانت لكم الحسنى في الآخرة عند الله (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) [ يونس : 26 ] .
الذين أحسنوا هم الذين آمنوا ، والحسنى هي الجنة ، والزيادة هي لذّة النظر إلى وجهه الكريم تبارك وتعالى في جنة عدن .
فما بالنا بعد هذا كله نسمع اليوم من ينعق من أبناء المسلمين ، ينادي هذه الأمة باسم التقدم والتطور ويريد لها أن تقع في حمأة الرذيلة تقلد الشرق والغرب ، الشرق والغرب لجوا في عدواتنا ووزعونا إلى غربي وبكيني ، هذا يميني وهذا …منتمي إلى اليسار . ألسنا إخوة الدين؟ ولا يشكك في هذا ولا ….على ذويه أسيرا للملايين بعض الزعمات أضحت جد مهزلة ما بين هراجة طاغي ومجنونين .
أيها المسلمون لا تسمعوا إلى هؤلاء الناعقين قد خوت قلوبهم من الإيمان وظهروا بمعسكر الشيطان ، تركوا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيّن لهم الشيطان ما هوعند الكفار ، ففتنوا بهم وذلك بأن قلوبهم قد خوت من الإيمان ففتنوا بما عند أعداء الله من الكفار عياذا بالله . فلما وقع ذلك في قلوبهم دعوا غيرهم إلى هذا .
فالله الله معشر المسلمين ، اذكروا ما كانت عليه هذه البلاد من فرقة وعيلة وضعف وتحارب وتناحر فأعزنا الله بهذا الدين فماهي إلا مدة قصيرة إلا ونحن أمة مترابطة ، متآلفة نعبد الله لا نشرك به شيئا الشرقي في الغربي والغربي في الشمالي ، والشمالي في الجنوبي ، والجنوبي في الشرقي وهكذا جمع الجميع هذا الدين ، ألّف الله بين قلوبهم بهذا الإيمان حينما قام عسكر الإيمان يدعو الناس إلى الرجوع الرحمن فماهو إلا ربع قرن حتى تألفت وتآلفت هذه البلاد على نعمة الإسلام فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) [ يونس : 58 ].
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فيا أيها الناس ، اتقوا الله سبحانه وتعالى حق التقوى واعلموا أن أجسامكم على النار لا تقوى …من هذه الدار منتقلون وإلى الله في الدار الآخرة واردون وأنكم ما بين نازل الجنة ففرحوا بذلك ونازل النار ، وهؤلاء يجب عليهم أن يعلموا أنهم لا يقوون على النار فما بالهم يغفلون عن العزيز الجبّار.
أما بعد ، فيا أيها الناس إننا نسمع في هذه الأيام نسمع العجب العجاب ممن ؟ من أبناء جلدتنا وغرس ربوعنا أقوام يدعون إلى التحلل من الفضيلة ، أقوام يدعون إلى التمسك بالرذيلة ويزيّنونها للناظر والسامع والقارئ إنهم ليسوا يهودا ولا نصارى . بل هم من أبنائنا ، من بلادنا وللأسف .
أيها المسلمون ، اعلموا أن هؤلاء دخلاء في ديننا ولو كانوا من أبناء جلدتنا ، أبناء جلدتنا وغرس ربوعنا ، لكنهم في ديننا دخلاء .
يا أمة الإسلام فوق رؤوسهم سلوا السيوف وأنتم البرآء
يوما يأتوننا بالدعوة إلى تحرير المرأة ،وكأنها مقهورة ، ذليلة ، مسجونة ، مكبّلة (( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا )) [ الكهف : 5 ] . والله ما أرادوا إلا إخراجها حتى تكون سلعة رخيصة مبتذلة ينظر إليها هؤلاء المعفنون يتمتعون منها بما حرّمه الله حتى تصل إلى ما وصلت إليه في الغرب ، أصبحت دعاية على كل مبيع ومنتوج .
أيها المسلمون أين الغيرة والحمية في قلوب هؤلاء ، والله لو كانت في قلوبهم غيرة الجاهلية فقط لما دعوا إلى ذلك ، لقد كانت الجاهلية الأولى يئدون المرأة ظلما وزورا وعدوانا يقتلونها حين ولادتها خوفا من العار وهم على الكفر . فكيف بهؤلاء الذين يدّعون أنهم على الإسلام ويدعونها إلى الخروج وإلى الرذيلة .
مـــدنية لــــكنها جـــــــــوفاء ـ ـ ـ ـ وحــــــــــرارة لــــــكنها أفيــــــاء
أوحت إلى الجنس اللطيف بأنه ـ ـ ـ ـ هو والرجال لدى الحقوق سواء
و بأن جبّـــــــارالسماء ورسله ـ ـ ـ ـ هضموا عليه حقوقه وأساءوا.
أيها المسلمون ، هؤلاء يجب الأخذ على أيديهم من قبل من ولاهم الله تبارك وتعالى ، ويجب كشفهم وفضحهم على أيدي أهل العلم بما نوّر الله سبحانه وتعالى بصيرته به ، من العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ويجب على عقلاء المسلمين تحذير الناس بأن لا يتبعوا هؤلاء ، تحذير أبنائهم وبناتهم ،ومن ولاّهم الله عليهم وبيان الباطل لهؤلاء (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله مآ أمرهم الله ويفعلون ما يؤمرون )) [ التحريم : 6 ].
إننا معشر المسلمين ، إن لم نفعل ذلك ونقم به ، كل واحد في مجال اختصاصه وبما آتاه الله من ولاية فيه فسد الناس عياذا بالله من ذلك .
إن نحن سكتنا عن المنكر والباطل وما أنكره كل واحد منا بحسب حاله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " .إن لم نفعل ذلك ضرب الله قلوب بعضنا ببعض ولعنا كما لعن بني إسرائيل من قبلنا (( لُعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ـ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )) [ المائدة : 78 ـ 79 ].
أيها المؤمنون ، إن الرجل يستطيع أن يأمر في بيته وينهى بيده وبلسانه والوالي هو الذي يقوم على الجميع بلسانه وبيده والعالم هو الذي يبين للناس بلسانه على حسب ما ورد في الشريعة فما كان منكرا ينكر على العلن وأنكر فيه الناس على العلن فيما يجوزلهم الإنكار فيه على العلن فلا يجوز لمن يقدر أن ينكر في العلن أن يتأخر عن ذلك ،وما كان منكرا قد أسّر به فلا يجوز إشاعته وما ظهر لنا من خطأ من والي فإنه لا يجوز إظهاره وتجب علينا مناصحته بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحاصل أنه لابد من إنكار هذه المنكرات وعدم الإصغاء لهؤلاء الناعقين بهذه المحرمات حتى تسلم هذه السفينة التي نبحر بها …في الدنيا لنصل إلى الله سالمين في الآخرة .
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر بدأ به بنفسه وثنّى بملائكته المسبّحة بقدسه …أيها المؤمنون من جنه وإنسه فقال عزّ من قائل عليما : (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما )) [ الأحزاب : 56 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم :" من صلى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشرا " وقال صلى الله عليه وسلم :"خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ "
فقالوا : كيف تعرض عليك وقد أرمت ؟
قال :" إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء "
اللهم فصل وسلم وبارك على عبدك ورسولك ونبيك محمد ، وارضى اللّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين والتابعينومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك ومنّك وجودك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللّهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللّهم أعز الإسلام والمسلمين ،اللّهم أعز الإسلام والمسلمين ، ودمّر أعداء الدين ، وانصر عبادك الموحدين واحفظ علينا ديننا وأمننا وإيماننا يا حي يا قيوم يا رب العالمين .
اللّهم أمنّا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل اللّهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، اللّهم هيىء لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، وتحذرهم من الشر، وتبصّرهم به ، إنك على كل شيء قدير .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون .
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم ولذكر الله أكبر . والله يعلم ما تصنعون .