السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الإمام ابن رجب الحنبليّ رحمه الله تعالى
فإذا انقضى مجلس الذكر فأهله بعد ذلك على أقسام:
فمنهم من يرجع إلى هواه فلا يتعلق بشيء مما سمعه في مجلس الذكر ولا يزداد هدى ولا يرتدع عن رديء وهؤلاء أشر الأقسام
ويكون ما سمعوه حجة عليهم فتزداد به عقوبتهم وهؤلاء الظالمون لأنفسهم:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [النحل:108].
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ومنهم من ينتفع بما سمعه وهم على أقسام:
فمنهم من يرده ما سمعه عن المحرمات ويوجب له التزام الواجبات "وهؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين"
ومنهم من يرتقي عن ذلك إلى التشمير في نوافل الطاعات والتورع عن دقائق المكروهات ويشتاق إلى إتباع آثار
من سلف من السادات "وهؤلاء السابقون المقربون".
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و ينقسم المنتفعون بسماع مجلس الذكر في استحضار ما سمعوه في المجلس والغفلة عنه إلى ثلاثة أقسام:
فقسم يرجعون إلى مصالح دنياهم المباحة فيشتغلون بها فتذهل بذلك قلوبهم عما كانوا يجدونه في مجلس الذكر من
استحضار عظمة الله وجلاله وكبريائه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وهذا هو الذي شكاه الصحابة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم وخشوا لكمال معرفتهم وشدة خوفهم أن يكون نفاقا فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس نفاق.
وفي صحيح مسلم عن حنظلة أنه قال: يا رسول الله نافق حنظلة قال: "وما ذاك" قال: نكون عندك تذكرنا بالجنة والنار
كأنها رأي عينفإذا رجعنا من عندك عافسنا الأزواج والضيعة ونسينا كثيرا فقال: "لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي
لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" وفي رواية له أيضا: "لو كانت تكون
قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق"
ومعنى هذا: أن استحضار ذكر الآخرة بالقلب في جميع الأحوال عزيز جدا ولا يقدر كثير من الناس أو أكثرهم عليه فيكتفي
منهم بذكر ذلك أحيانا وإن وقعت الغفلة عنه في حال التلبس بمصالح الدنيا المباحة ولكن المؤمن لا يرضى من نفسه
بذلك بل يلوم نفسه عليه ويحزنه ذلك من نفسه العارف يتأسف في وقت الكدر على زمن الصفا ويحن إلى زمان
القرب والوصال في حال الجفاء وأنشدوا:
"ما أكدر عيشنا الذي قد سلفا … إلا وجف القلب وكم قد جفا"
"واها لزماننا الذي كان صفا … هل يرجع بعد فوته وا أسفا"
وقسم آخرون يستمرون على استحضار حال مجلس سماع الذكر فلا يزال تذكر ذلك بقلوبهم ملازما لهم وهؤلاء على قسمين:
أحدهما : من يشغله ذلك عن مصالح دنياه المباحة فينقطع عن الخلق فلا يقوى على مخالطتهم ولا القيام بوفاء حقوقهم وكان
كثير من السلف على هذه الحال فمنهم من كان لا يضحك أبدا ومنهم من كان يقول: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.
والثاني: من يستحضر ذكر الله وعظمته وثوابه وعقابه بقلبه ويدخل ببدنه في مصالح دنياه من اكتساب الحلال والقيام
على العيال ويخالط الخلق فيما يوصل إليهم به النفع مما هو عبادة في نفسه كتعلم العلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهؤلاء أشرف القسمين وهم خلفاء الرسل وهم الذين
قال فيهم علي رضي الله عنه: صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالأجلّ الأعلى.
وقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم عند الذكر يتغير ثم يرجع بعد انقضائه إلى مخالطة الناس والقيام بحقوقهم.
منقول بتصرّف من شبكة سحاب السّلفيّة
لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف
عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي رحمه الله
والله تعالى هو الموفّقُ
…
"واها لزماننا الذي كان صفا … هل يرجع بعد فوته وا أسفا"
جزاكم الله خيرا
والله المستعان على حالنا … نسأل الله أن يردنا إليه ردا جميلا
لا إله إلا الله
الحمد لله والله أكبر
"ما أكدر عيشنا الذي قد سلفا … إلا وجف القلب وكم قد جفا"
"واها لزماننا الذي كان صفا … هل يرجع بعد فوته وا أسفا" جزاكم الله خيرا |
آمين آمين بارك الله فيكم نسأل الله تعالى أن يعيننا على
طاعته ورضاه ونسأله أن ينفعنا بأي درس أو موعظةٍ
نستمع إليها آمين …