تخطى إلى المحتوى

ولـــــــــــــــــي الأمر 2024.

ولي الأمر ( الإمام أو الخليفة أو السلطان أو الحاكم أو الرئيس أو الأمير أو…)

افتتح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ كتاب الفتن من صحيحه ـ
والذي جعله جامع لأحاديث الإمارة ـ بقوله تعالى :
{ واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } [ الأنفال : 25 ]
فتراه جعل مسألة الإمارة من جملة الفتن الذي تبتلى بها الأمة كنزول الدجال وغيره ، وأن الخلل الذي يحدث في هذا الباب يَجُر الفتن على الأمة جميعاً وليس على الذين ظلموا خاصة .

فأمر الإمارة وملازمة الجماعة من الأمور التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، وغلظت النكير على من لا يلتزم بها ، لأن المخالفة هنا لا تعنى إلا الشقاق والنزاع ، والتشبه بأهل الجاهلية ومخالفة سمت أهل الإسلام ، وبهذا تعلم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية )أخرجه البخاري ، وفي رواية مسلم ( فميته ميتة جاهلية ) .

وعند الترمذي وابن خزيمة وابن حبان ( من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ) .

وعند مسلم في صحيحه (من خلع يدا من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية ) .

والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم : (من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية ) أو (من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ) .

يعنى حال موته : فالذي يفارق جماعة المسلمين في طاعة ولي الأمر ، ويخرج عن طاعة السلطان في السمع والطاعة يموت على حال أهل الجاهلية ، يموت كموتهم على ضلال و ليس له إمام مطاع . لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك ، إنما كانوا قبائل متناحرة لا يرون لأحد عليهم سمع و لا طاعة ، فجاء الإسلام بمخالفة أهل الجاهلية وذلك بتنصيب رجل يكون إمام وقائد للناس يلتزمون بأمره ونهيه في المعروف .[ أفاده ابن حجر في الفتح] .

ومن حكمته ـ سبحانه و تعالى ـ أن جعل هذا القائد الإمام من طينة الرعية وعلى صورتها . قال تعالى : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ، فإن كانت الرعية صالحة كان سلطانهم صالحا ، وإن كانت الرعية ظالمة كان كذلك ، فكما تكونوا يولى عليكم .

ولم يجعل الله ـ عز وجل ـ سبيل تسلكه الرعية لإقامة سلطان عادل عليهم إلا أن يستقيموا على أمر الله ، وأن يلتزموا شرعه ، فإن ظهر منهم العدل والصلاح نصب الله عليهم سلطانٌ صالح ، وإن ظهر منهم خلاف ذلك كان سلطانهم كذلك .

لأن أمر تَنصيب الحاكم على الناس هو لله وحده ، يقول ـ سبحانه ـ : { قُلِ اللهم مالك الملك تُؤْتِى الملك مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء … } [ آل عمران : 26 ]

من هو الإمام الذي يتوجب طاعته

يقول الإمام ابن حجر في الفتح في معرض شرحه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( السمع والطاعة حقٌ ـ يعني : للإمام ـ ما لم يؤمر بمعصية …) الحديث .

قال : ((والمراد بالإمام كل قائم بأمور الناس والله أعلم )). اهـ

فالذي له الاستطاعة في السيطرة على الأمور ، وله القدرة على كف أذى الناس بعضهم عن بعض ، ومنع العدو من إيذاء المسلمين كان هو الإمام . وهذا هو معنى كلمة ( السلطان ) يعني : يكون له سلطة وقوة وإحكام على مقاليد الأمور .

ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( …وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به … ) متفق على صحته .

ومعنى جُنة بضم الجيم : إي سترة . فالإمام بالنسبة للمسلمين سترة

يتقى به الشر من العدو ، ومن أذى الناس بعضهم البعض .

وتكون إمامته على الناس :

الأولى : ببيعة شرعية ، كما حدث مع الخلفاء الأربعة ، فبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع أعيان الصحابة في سقيفة بني ساعده لاختيار رجل يقود الأمة بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم فوقع الاختيار على الصديق ـ رضي الله عنه ـ ، ثم اجتمع الناس على الرضا به حاكماً عليهم تبعاً لما ذهب إليه اختيار أهل الحل والعقد من صفوة الصحابة رضي الله عنهم ، ثم لما مات الصديق عَهِدَ بالخلافة لعمر الفاروق رضي الله عنه فبايعه الناس إماماً إقراراً لاختيار الصديق ثم عهد الفاروق بالأمر من بعده لستة من الصحابة مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فاختار الناس عثمان بن عفان من هؤلاء الستة ، ثم اختاروا على بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ بعد مقتل عثمان ، … وهكذا .

فالطريقة الأولى في اختيار إمام للناس أو حاكماً لهم يكون باجتماع أهل الحل والعقد من أولى الفهم والعلم على رجل ثم يلتزم عامة الناس بالبيعة لهذا الرجل . وليس معنى الالتزام بالبيعة له أن تذهب إليه وتصافحه وتقول : لك السمع والطاعة مني في المكره والمنشط وأن لا أخالفك في أمر فيه طاعة لله ، ولكن يكفيك النية أن فلاناً أصبح إماما مطاعا .

أما الطريقة الثانية في نصب الإمام أو الحاكم : هو أن يتغلب الإمام على الحكم والسلطة بالسيف والقوة ، فيتسلط على الحكم بقوته وسلطانه ، وعندها يلزمنا أيضا أن نبايعه على السمع والطاعة كحال الحاكم الذي جاء ببيعة شرعية ، شريطة أن يكون هذا الحاكم المتغلب مسلماً ، أما إذا تغلب كافر على ديار الإسلام كـ (نابليون بونابرت ) مثلاً ، هل يكون ولي أمر ؟ بالطبع لا ؛ لأن ولي الأمر لابد أن يكون مسلماً .

قال ابن بطال ـ رحمه الله ـ أحد شراح صحيح البخاري : اجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء … ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها .

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني المصري في فتح الباري :

(( فإذا اجتمع الناس على إمام ولو بالتغلب بالسيف وجب طاعته، ثم ساق قصه فتنة ابن الزبير وما كان من الاقتتال بينه وبين جيش الشام في الصراع على الخلافة ، وانتهى الأمر بقتل ابن الزبير وصَلبه عند الحرم ، واجتمعت الكلمة لعبد الملك بن مروان بالخلافة ، ودخول ابن عمر فقيه الفتن ـ رضي الله وعن أبيه ـ على عبد الملك و أعطاه البيعة ، وكان ممتنعاً من إعطاء البيعة لأي أحد من الفريقين عند الاقتتال فلما انتهت الفتنه . قال ابن عمر حينها وهو يعطى ببيعته لعبد الملك بن مروان الذي اخذ الخلافة بالسيف والقوة : والله ما كنت لأعطى بيعتي في فرقة ، ولا امنعها في جماعة )).

فالشاهد أن ابن عمر بايع عبد الملك بن مروان وقد أخذ الخلافة بالسيف ))
وهذا هو كلام السلف وفعلهم .

وعن حرملة قال : سمعت الشافعي يقول : ((كل من غلب على الخلافة بالسيف ،حتى يسمى خليفة ، ويجتمع الناس عليه فهو خليفة)) .

ونحن نقول كل من غلب على السلطة بالقوة وسماه الناس حاكماً أو رئيساً فهو حاكم تجب طاعته .

و أهل العلم متفقون على طاعة من تغلب ، وحكى الإجماع على ذلك جماعة منهم ابن حجر
ولهذا تجد في كتب اعتقاد أهل السنة : (ونصلى خلف كل بر وفاجر) ، (ونصلى وراء من غلب) ، وجاء هذا مسندا إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ فانه كان يصلى أيام فتنة ابن الزبير تارة خلف ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وتارة خلف الحجاج بن يوسف الثقفي ـ الذي قتل سبعون إلفا صبرا ، قتلهم وهم يرون السيف ، وذهب بعضهم لتكفيره ـ فلما سئل ابن عمر عن هذا عن صلاته خلف ابن الزبير تارة وخلف الحجاج تارة ؟ قال : ((وأُصلى وراء من غلب)) .

وقد وردت النصوص وتعددت في وجوب السمع والطاعة للسلطان منها قوله تعالى : { أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] ، رجح الإمام البخاري أنها نزلت في طاعة الأمراء خلافاً لمن قال أنها نزلت في العلماء كما بين ابن حجر في بداية كتاب الإحكام ، وهو ما رجحه الإمام الطبري أيضا ، وذهب جماعة من السلف أنها عامة في طاعة الأمراء والعلماء معاً .
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال : بايعنا رسول الله صلى الله وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم .

وعند مسلم وغيره عن إبى ذر قال : إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبداً حبشياً مُجَدَّع الأطراف .

يعني : إن كان هذا الحاكم أو الأمير الذي عليك ( عبداً ) ، فأنت أفضل منه لأنك حر ، وأيضا ليس سيلم الخلقة بل مُجَدَّع الأطراف يعني : مقطع الأطراف ، وأنت سليم البنيان ، ومعلوم أن المسلم القوي خير من المسلم الضعيف ،ومع ذلك فاسمع له وأطع فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ .

وعن أسيد بن خضير : أن رجلا من الأنصار قال يا رسول الله استعملت فلاناً ولم تستعملني ؟ قال: ((فإنكم سترون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) . أخرجه البخاري

وعن ابن مسعود قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سَتَكونُ أُثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكمْ)) . أخرجه البخاري .
وعن ابن عباس أن النبي صلى اله عليه وسلم قال : ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه ؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية)) .

قال ابن حجر في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : ((إنكم سترون بعدى أثرة ))؛ قال : حاصلها الاختصاص بحظ دنيوي . اهـ

يعني : هؤلاء الأمراء يستأثرون بالدنيا بعيداً عن الرعية ؛ فماذا على الرعية حينها ؟ يقول عليه الصلاة والسلام : ( فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) فعلى الرعية الصبر علي جور هؤلاء الحكام وإن استلزم الأمر الصبر عليهم إلى يوم القيامة حتى نلقى النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض ، هذا الحوض الذي يُفصل عنده بين من التزم السنة وصبر عليها ، وبين من بدل وغير فيقال له : سحقاً سحقاً ، بعداً بعداً .

وهذا الجور و الظلم الذي يكون من الحكام لا يمنعهم حقهم ، فعلينا أن نوفي إليهم حقهم ونسأل الله ـ عز وجل ـ حقنا الذي لنا .
قال ابن حجر : أي بأن يلهمهم إنصافكم أو يبدلكم خيراً منهم .
وقال الإمام النووي في شرح مسلم تعقيبا على حديث ( إنها سَتَكونُ أُثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا فأدوا الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكمْ ) ، قال : هذا من معجزات النبوة ، وقد وقع هذا الإخبار متكرراً ووجد مخبره متكرراً ( وهو استئثار الحكام بالدنيا كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ) قال : وفيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً فيُعطى حقه من الطاعة، ولا يُخرج عليه ولا يُخلع ، بل يُتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ورفع شره وإصلاحه .

وبوب الإمام النووي على حديث ( يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا ) قال : باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق . ثم قال : ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )

إن الله تعالى حمل الولاة وأوجب عليهم العدل بين الناس ، فإذا لم يقيموا أثموا ، وحمل الرعية السمع والطاعة لهم ، فإن قاموا بذلك أثيبوا عليه وإلا أثموا .وقال في شرح حديث ( عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ) قال معناه : تحب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة .
ومعنى الأثرة : الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم فاسمعوا و أطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم مما عندهم .

يقول النبي صلى الله علية وسلم : ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك ، وإلا كان قد أدى الذي عليه ) .[ رواه ابن ابى عاصم في السنة ( باب : كيف نصيحة الرعية للولاة ) .و صححه الألباني] .

وفى صحيح البخاري قيل لأسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ : ( لو أتيت فلاناً فكلمته ) ، وفي رواية أحمد في المسند قالوا له : ( ألا تدخل على هذا الرجل فتكلمه ) ، وفى صحيح مسلم قالوا له : ( ألا تدخل على عثمان فتكلمه ) ، فجاء هنا التصريح بالاسم.

وعثمان هو: عثمان بن عفان أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ .
فقالوا له : ( ألا تدخل على عثمان فتكلمه ، قال : إنكم لترون أنى لا أكلمه إلا أسمعكم إني أكلمه في السر دون أن افتح باباً لا أكون أول من فتحه ) .

وقد فَتح هذا الباب ـ الإنكار على ولاة الأمور في العلن ـ الخوارج الذين نَصحوا لأمير المؤمنين ، شهيد الدار ( عثمان بن عفان ) في العلن فألبوا عليه الناس وانتهى الأمر بحصاره في بيته ثم قتله ـ رضوان الله عليه ـ فكان أول خليفة يُقتل في الإسلام من جراء بذل النصح للسلطان في العلن ، ومخالفة هدي السلف في طريقة النصح للحكام .

وروى ابن أبى الدنيا في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وابن أبى شيبة في مصنفه بسند صحيح عن طاوس قال : أتى رجل ابن عباس ، فقال : ( ألا أقوم إلى هذا السلطان فأمره و أنهاه ) . قال : ( لا تكن له فتنة أو لا تكن لك فتنة) . قال : أرأيت إن أمرني بمعصية لله عز وجل ، قال : ( ذاك الذي تريد فكن حينئذ رجلاً ؟ ).

قلت : هذا هو الأصل إن كنت بين يدي السلطان فأمروه و انهاه ، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ) . رواه أبو داود .

فـ ( عند ) المذكورة في الحديث ظرف مكان ، فإن كنت بين يدي الحاكم فأمروه و انهاه ؛ ولكن لا تقف في الميادين وتستدل بالحديث ، ثم إن كنت بين يديه دعوت له! ، لا ، كن حينها رجلاً كما قال ابن عباس للسائل ، لأن هذا التلون من النفاق ـ عياذا بالله ـ .

أخرج البخاري في صحيحه عن محمد بن زيد قال : قال أناس لابن عمر إن ندخل على سلطاننا فنقول لهم خلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم ، قال : كنا نعدها نفاقاً .

وقال أبو الدرداء : ((إن أول نفاق المرء طعنه على إمامه)) . رواه ابن عبد البر في التمهيد .

ولهذا كان رد ابن عباس على الرجل عندما قال له أرأيت إن أمرني بمعصية الله عز وجل ، قال : ذاك الذي تريد فكن حينئذ رجلا .

فلا تدعوا له و أنت بين يديه و تجتهد في تحسين الكلام وتزينه ، ولكن أصدع بالحق في وجه الظالم ، و أمره بالمعروف و انهاه عن المنكر ، وإلا كنت منافقاً أو جباناً عياذا بالله .
وإن نصحت فاصبر ؛ يقول معاوية ـ رضي الله عنه ـ : اتقِ غضب السلطان ، فإن السلطان يغضب غضب الصبي ، ويأخذ أخذ الأسد .

فكن كإمام أهل السنة أحمد بن حنبل ـ عليه الرحمة ـ فإنه نصح للسلطان وصدع بالحق بين يديه ، فعُذب وجلد حتى خلعت يده وكاد يموت ، ومع ذلك صبر ولم يُداهن ، ولم يستطيعوا صرفه عن الحق لأنه كان على السنة قولاً وعملاً واعتقاداً ، لم يستطيعوا صرف أحمد عن الحق لأن أحمد ممنوع من الصرف !.
سؤال : إلى أي مدى يكون السمع والطاعة و الطاعة للأمير؟

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ :« تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ))[ رواه مسلم و ابن حبان في صححيهما] .

و أخرج أحمد و أبو داود من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : ((فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك ، فالزمه)) . وصححه الألباني في الصحيحة ( 1791 ) .

وفى السنة للخلال و الشريعة للآجري وغيرهما أن عمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ قال لسويد بن غفلة : ((يا أبا أمية أنى لا أدرى لعلى لا ألقاك بعد عامي هذا ، فان أُمر عليك عبدٌ حبشيٌ مُجدّعٌ فاسمع له وأطع ، وإن ضربك فاصبر ، وإن حرمك فاصبر ، وإن أراد أمر ينقصُ دينك . فقل : سمعاً وطاعة دمي دون ديني ، ولا تفارق الجماعة)) .
فإن ظلم ولاة الأمور للرعية ، ومنعهم الحقوق ، وضربهم واستثاروهم بالدنيا والثروة دونهم ، لا يُسوغ للرعية الخروج عليهم .

الخروج لا يكون إلا في حالة واحدة فقط .

يقول عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ وهو في مرضه الذي مات فيه : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في نشطنا ( يعني : الأمر الذي ننشط له لأننا نحبه ) ومكرهنا ( الأمر الذي يشق على النفس فتكرهه ) وعسرنا ( في الشدة والضيق ) ويسرنا، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان . [متفق على صحته]

فهذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها الخروج على الحاكم . وهى أن يَصدر من الحاكم كفراً بواحاً ، لا يختلف عليه اثنان ، معلوم من الجميع أنه كفر ، وليس كما نرى من البعض ، فنسمع من أحدهم أنه يقرر ويناظر أن الحاكم كافر، فإذا سألناه لماذا ؟ قال : لأن الشيخ فلان كفره! ؛ فليس هذا معنى الحديث، ولكن الكفر الذي لا اشتباه فيه ، فضلاً عن أنه لا تقليد في التكفير .

مثال : لو خرج الحاكم وقال : بإلغاء صلاة الجمعة أو قال بأن الخمر حلال أو الزنا ليس حرام . هذا ما يسمى بالكفر البواح الذي لا يلجأ فيه الناس لاستفتاء عالم . فإن صدر منه هذا وجب الخروج عليه واستبداله بأخر .

ولكن شريطة وجود الامكانيه . فلا نخرج عليه بسكينة المطبخ مثلاً وهو عنده الدبابات والطائرات . هذا يسمى انتحار . وانظر إلى حال أهل سوريا حتى تعلم صدق ما أقول لك .

لكن إن توفرت العدة و الإمكانيات وجب الخروج عليه و استبداله .

و أما الخروج عليه لأي سبب أخر فحرام .

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة : قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمراء يظلمون ويفعلون أمور منكرة , ومع هذا أمرنا أن نؤتيهم الحق الذي لهم ، ونسال الله الحق الذي لنا ولم يأذن في اخذ الحق بالقتال .

وعند أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وفي غيرهما. عن فضالة بن عبيد ـ صحابي من أهل بدرـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ لا تسأل عنهم : رجلٌ فارق الجماعة وعصى إمامه ، ومات عاصياً)) . [وصححه الألباني في صحيح الجامع (3058 )].

وعند الترمذي وغيره .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله والنصح لأئمة المسلمين ولزوم جماعتهم )).[وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 6766 )] .

وفي صحيح البخاري عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية , جمع ابن عمر حشمه وولده , فقال : إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ينصب لكل غادر لواءً يوم القيامة ) ، وإن قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال . أهـ

قلت : وقد جرت سنة الله في كونه أنه ما خرج قوم على إمامهم ـ وإن كان ظالماً غشوماً ـ إلا وكان حالهم بعد الخروج أسوأ من حالهم قبل الخروج.

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة النبوية : ( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنه , فلا يُدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما , ولعله لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزلته , والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان ولا أمر بقتال الباغين ابتداء ) .

قلت : ولهذا قالوا قديماً : سلطان غشوم خيرٌ من فتنةٍ تدوم .

وقد تواترت كلمات السلف الصالح في الحث على لزوم الجماعة والطاعة للأمير منها :

قول الإمام سهل بن عبد الله التسترى ـ رحمه الله – : (( هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة اثنان وسبعون هالكة كلهم يبغض السلطان , والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان)). (قوت القلوب لأبى طالب المكي 2 / 242 ).

وقال أيضا كما في تفسير القرطبي ( 5 /260-261) : ((لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء , فان عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم , وإن استفتحوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخرهم)) .

وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : ((إياكم ولعن الولاة , فإن لعنهم الحالقة , وبغضهم العاقرة ، قيل يا أبا الدرداء : فكيف نصنع إذا رأينا منهم مالا نحب ؟ قال: اصبروا , فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت)). ( رواه ابن أبى عاصم في السنة 2 / 488 ).

وكان حذيفة بن اليمان يقول: (( اصبروا حتى يَستريح برٌ أو يُستراح من فاجر)) .
وجاء في اعتقاد سفيان الثوري : قال يا شعيب : ((لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر , والجهاد ماضي الى يوم القيامة والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل)) .

وقال أحمد : ((والسمع والطاعة للائمه وأمير المؤمنين البر والفاجر ، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمى أمير المؤمنين … ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق)).

و النصوص في هذا الباب كثيرة معروفة ، و صاحب الحق يكفيه دليل ، وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل .

نعم البخاري يعلم أن اكبر فتنة على الامة هو أن يحكمها حاكم يحارب الدين و خاصة إذا وجد علماء يعبدون الناس له

إذا انكر العالم منكر الحاكم المجاهر به ، هل يعتبر هذا العالم ضال خارجي؟

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.