العلامة الشيخ طاهر آيت علجت 2024.

عالم جليل نجح في المزج بين التصوف والإصلاح
"الشروق اليومي" تكرم العلامة الشيخ طاهر آيت علجت
عالم جليل نجح في المزج بين التصوف والإصلاح

كرمت الشروق اليومي الأربعاء العلامة الجليل الشيخ طاهر آيت علجت، بحضور بعض رفقاء دربه وأساتذة أجلاء تتلمذوا على يده، الذين أثنوا كثيرا على الإسهامات الكبيرة التي قدمها العلامة آيت علجت في سبيل إعلاء كلمة الإسلام واللغة العربية، التي كان دائما من أشدد المدافعين عليها.

ضيوف الندوة: الشيخ ساهم في إعادة بعث السلفية الراشدة
لطيفة بلحاج
وأشرف على حفل التكريم الثاني هذا بعد تكريم العلامة عبد الرحمان الجيلالي الأسبوع الماضي، مدير عام "الشروق اليومي" السيد "علي فوضيل"، الذي سلم الشيخ "الطاهر آيت علجت" شهادة شرفية عرفانا بمسيرته النيرة، سواء في مجال نشر تعاليم الدين الإسلامي السمحاء، وكذا في الدفاع عن الوطن إبان الاستعمار، وخلال السنوات العصيبة التي عاشتها البلاد.
وسلمت إدارة الشروق ضيفها صكا وهدايا رمزية أخرى، من بينها برنوسا من منطقة القبائل، وهي الناحية التي ينتمي إليها الشيخ العلامة، الذي عبر عن امتنانه الكبير للمبادرة، معتبرا بأن ما قدمه لا يمثل أي شيء بالنسبة إليه، وبأنه مجرد "طويلب علم" لا غير وليس عالما، وبأن مشاركته الفعالة في الثورة التحريرية لم تكن في تقديره سوى في إطار حملة جرفته إلى معاقل الثورة، دون أن يدرك ذلك.
ومعروف عن العلامة الطاهر آيت علجت تواضعه الكبير وسعة علمه وخفة ظله، وهو ما أجمع عليه الأساتذة الذين شاركوا الشيخ الفاضل فرحته، وأبوا إلا أن يحضروا حفل التكريم، فقد عرض كل واحد منهم جزءا من المسيرة المتميزة للعلامة الفاضل، ليرسموا صورة متكاملة الأجزاء، لخصت حياة آيت علجت التي كانت كلها علما ومعرفة ونضالا من أجل نصرة كلمة الحق والسمو بالإسلام والعربية. كما عرف عن الشيخ نجاحه في المزج بين التصوف والإصلاح.
ومن مآثر الطاهر آيت علجت، أنه كان من رواد السلفية الراشدة، وكان دوما يدعو إلى الإخلاص ولا يبخل أبدا في تقديم النصح والإرشاد لتلامذته، وكان يمنع طلاب الزاوية التي كان ينشط فيها التحدث بالقبائلية، أو حتى بالدارجة، "لأن الإسلام لا يفهم إلا اللسان العربي".
ولم يقتصر نشاط الشيخ آيت علجت على الجانب الديني فقط، فقد كان مجاهدا وساهم في تجنيد رجال الدين وطلاب الزوايا في صفوف الثورة المجيدة، وكان أستاذا لامعا في جامعة الزيتونة، وساهم في تكوين أجيال بأخلاقه وتواضعه، هو ما تؤكده شهادة جميع من عايشوا أو احتكوا أو حتى سمعوا عن الشيخ "الطاهر "يت علجت".
الشيخ الطاهر آيت علجت يرتدي برنوس الشروق ويصرّّح:
أعتز بمواقف الشروق التاريخية إزاء الإسلام والعروبة
كان يستمع إلى شهادات من حضروا الحفل التكريمي بانتباه وتمعن وكأنه يكتشف نفسه لأول مرة … قالوا عنه كثيرا ولم يقل هو عن نفسه شيئا، بل حاول لشدة تواضعه أن يقلل من حجم ماقدمه تفانيا في خدمة الدين والعلم والوطن …هكذا هم العظماء يتواضعون ويرفعهم الله وعباده الذين يقدّرون المرء حق قدره. وهكذا هو الشيخ الطاهر آيت علجت الذي صرّح عقب تكريمه من قبل المدير العام لجريدة الشروق اليومي الذي أبى إلا أن يشاركه ابن الشيخ هذا التكريم في مشهد يعكس حقا عظمة المكرم والمكرّم، أن مبادرة كهذه ليست جديدة على جريدة بحجم "الشروق" التي سجل التاريخ مواقفها المشرفة في كل مرّة كان التهديد يتربص بمقوّمات الأمة والوطن لاسيما الاسلام والعروبة، ووحدة الوطن، وسلوك كهذا لا يصدر إلا من الخيّرين والكرماء وهي مواقف يجب أن تذكر لا أن تنكر، كما أضاف انه سرّ كثيرا بالتكريم الذي سبقه إليه الشيخ عبد الرحمن الجيلالي وطالع كل ما كتبته الجريدة بهذا الشأن في خطوة جادة للتذكير بالدين وأهله.
وبعد أن شكر جريدة الشروق على تخصيصه بهذا التكريم وكافة عمالها ومستخدميها وكذا من احتكوا به ومن أدلوا بشهادات قال إنها إطراء يفوقه، دعا الشيخ الله متضرعا ان يحفظ الوطن والأمة والشروق ويباركها ويسدد خطاها، ليقول بعدها انه "طليب علم" لا عالم وما قصّر فيه من الواجبات أكثر من الحسنات، فعين الرضى كما قال عن كل عيب كفيفة.
علي فضيل:
المبادرة عرفان بما قدّمه الشيخ للجزائر والجزائريين
كريمة خلاص
استهل الرئيس المدير العام لجريدة "الشروق اليومي" حفل التكريم الثاني من نوعه خلال شهر رمضان بعد تكريم الشيخ عبد الرحمن الجيلالي بكلمة افتتاحية تضمّنت على امتدادها عبارات خالصة من التقدير والاحترام لكوكبة العلماء النيرين التي تزخر بها الجزائر والتي يأتي في طليعتها الشيخ الطاهر آيت علجت عرفانا بما قدمه هذا الجيل للجزائر والجزائريين من الناحية العلمية والجهادية والدينية والهدف منه هو إبراز جانب خفي من حياة هؤلاء العظماء للجيل الجديد بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي تواجهه، واعتبر السيد علي فضيل التكريم واجبا وتقديرا لجهودهم وتقليدا تحرص المؤسسة على الالتزام به لتقديم قدوة حسنة للشباب يستنيرون بها في معترك الحياة.
كنت اعرفه من خلال مساهمات او نشاطات لكن ما تفضل به الأساتذة الكرام الذين عاصروه ونقلوا إلينا تجاربهم واحتكاكهم أمر عظيم وتمنيت لو أن شبابنا عرفوا ذلك بدل إتباع علماء دول أخرى، فالجزائر ليست عاقرا على إنجاب علماء من أمثال الشيخ ممن جمعوا بين العلم والجهاد الذين نتطلع من خلال مبادرتنا إلى أن يكونوا قدوة يحتذى بها، كما نتمنى أن ترتقي المبادرة وتتبناها هيآت أخرى لتقديم هؤلاء العلماء المقدسين.
وبعد الكلمة التي ألقاها الشيخ الطاهر آيت علجت، عقّب المدير في كلمته الختامية ان الشيخ أخجل الحضور جميعا بتواضعه الجم وزادنا تقديرا له وهو ما سيشجعنا لمواصلة المسيرة وتكريسها.
محمد الصالح الصديق:
لم أره في حياتي غاضبا
قال الشيخ "محمد الصالح الصديق"أن علاقته بالشيخ "محمد الطاهر آيت علجت" تعود إلى أكثر من خمسين سنة عاش فيها معه كثيرا من الأحداث في الجزائر وتونس وليبيا والجزائر والحجاز. وقد عرف فيه العالم الفاضل المتواضع الحليم الذي لا يغضب أبدا. ومن المواقف الطريفة التي عايشها، طلب من الشيخ آيت علجت ذات مرة أن يحقق له أمنية، فقال له ماهي؟ فرد عليه: أريد أن أراك غاضبا ولو مرة واحدة. وأضاف أنه كتب عنه قصة لم يذكر فيها اسم الشيخ "الطاهر" ووزعت منها عشرات الآلاف في مختلف الأقطار العربية. وأكد أن الشيخ "آيت علجت" لا يجارى في الفقهيات وكثيرا من المسائل الشرعية التي تستعصي على غيره. وذكر أيضا أنه عندما سأل العقيد الشهيد "عميروش" عن أهم المثقفين في منطقة القبائل، فقال له لا يوجد مثقف مثل الشيخ "الطاهر آيت علجت".
تومي عياد الأحمدي
شريفي بلحاج:
خيرة طلبة كلية الشريعة ممن درسوا لدى الشيخ
اعترف الشيخ "شريفي بلحاج" بشدة حبه وتعلقه بالشيخ "آيت علجت"، وأكد أن حبه لهذه الشخصية الفاضلة نبعت من عشرة طويلة سادتها الأخوة، وذكر أنه اقترب أكثر من الشيخ خلال مجالس الشيخ "أحمد سحنون" رحمه الله. وقال أيضا إن هذا الرجل العلامة يتمتع بالنظر البعيد عندما يكون الأمر متعلقا بالقضايا الوطنية الحاسمة، وقد كان له دور كبير في حل عديد من الخلافات أثناء نشاطه برابطة الدعوة الإسلامية. وأكد أن الطلبة المتفوقين علما وسلوكا في كلية الشريعة الإسلامية بالعاصمة هم طلبة الشيخ "الطاهر آيت علجت".
محنّد أرزقي فرّاد:
تغييب العلماء هو سبب أزمتنا
استهل الأستاذ محند ارزقي فراد حديثه بشكر الشروق على هذه الفسحة التي سعى من خلالها العاملون والقائمون عليها -كما قال – إلى نفض الغبار عن مرجعياتنا، مستطردا أنه عرف الشيخ الطاهر آيت علجت من خلال جلسات المصالحة التي عرفتها المنطقة ومن خلال بعض الكتابات عن هذا العالم الجليل وما تناقلته شخصيات عايشته عن قرب مستشهدا بالشيخ سحنون.
وركز الأستاذ محند ارزقي فرّاد أن أهمية الوقفة والتكريم تتوجب علينا كمثقفين أن نسأل أنفسنا عن ما قدمناه وما فعلناه كحكومة وسلطة بعد استرجاع السيادة لإعادة الاعتبار لهذه النخبة، فعندما ندرس الواقع الحالي والأزمة التي نتخبط فيها ندرك جيدا أن السبب في ذلك يرجع إلى تغييب هؤلاء العلماء.
الدكتور محمد الشريف قاهر: تلميذ الشيخ وعضو المجلس الإسلامي الأعلى
عالم رباني خدم الجزائر علما وجهادا
قال الدكتور "قاهر" إن الشيخ "آيت علجت" هو مثاله وعمدته وقدوته، وقد حفظ على يديه القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية والإسلامية بزاوية "سيدي يحي العدلي" بتمقرة ببجاية. وقال أيضا إن الشيخ كان يؤثر الوافدين على الزاوية من بقية المناطق على أبناء البلدة حتى لا يحسوا بالغربة. وأكد أن التلاميذ الذين يدرسون على يد الشيخ يسجلون عند التحاقهم بجامع الزيتونة في السنة الثانية أو الثالثة مباشرة. وأكد أيضا أن الشهيد "عميروش" كان يمنح المال للشيخ "آيت علجت" حتى يصرفها على طلبة العلم الجزائريين، وقد تحمل هذه الأمانة بكل تفان.
وأشار إلى أن عميروش رفض رفضا قاطعا أن يلتحق طلبة الزاوية بالجبل بل دفعهم إلى استكمال دراستهم وقدم لهم كل العون، وأكد أنه كان يحترم ويجل الشيخ إجلالا كبيرا.
الأستاذ محمد السعيد: ديبلوماسي سابق
كان رجل توازن في مجالس الشيخ سحنون
تومي عياد الأحمدي
ركز الأستاذ محمد السعيد على الجانب السياسي في شخصية الشيخ "آيت علجت" حيث قال إنه كان يجتهد بكل ما أوتي من قوة في مجالس الشيخ سحنون للإصلاح والتوفيق بين الناس. وذكر أيضا أن الشيخ كان عضوا في لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين المظلومين التي نشأت عن تلك المجالس، وأكد أنه لعب دورا كبيرا في خلق توازن بين جميع الأطراف.
الدكتور عبد الرزاق ڤسوم :
الشيخ أبدع في المزج بين التصوف والإصلاح
أشاد الأستاذ الجامعي والباحث الدكتور عبد الرزاق ڤسوم بمكارم الأخلاق التي تخللت حياة الشيخ محمد الطاهر علجت والذي وصفه بخير معلم وقدوة للأجيال، وذكر أن الشيخ كان دائما الأول في صفوف الصلاة يؤم الناس في المساجد، كما كان الأول في صفوف الجهاد يحث الناس على الموت والاستشهاد في سبيل تحرير الوطن، وبهذا كان الشيخ قدوة حقيقية يجسد شخصية الإمام الملتزم، وكان يردد الحكمة التي تقول: لانرضى بإمامنا في الصف "الصلاة" ما لم يكن إمامنا في الصف "الجهاد"، وقال الدكتور عبد الرزاق ڤسوم أن الشيخ أبدع في المزج بين التصوف والإصلاح فلقد كان زاهدا متعبدا، كما كان يخالط الناس وينصح ويصلح وقد نجح في الجمع بين المدارس والعلماء، كما كان سببا في إخماد العديد من الفتن التي عرفتها بعض المناطق، ويضيف المتحدث أن الشيخ كان يتميز بروح الدعابة والابتسامة والبشاشة، كان يحبه ويرتاح إليه كل من تتلمذ على يده، وذكر على الشيخ أنه لم يغضب قط مما جعله مثالا للعالم المعتدل.
بلقاسم حوام
الهادي الحسني:
طاهر آيت علجت رمز للوسطية
قال الأستاذ الهادي الحسني الذي كان ضمن المشاركين في حفل تكريم العلامة آيت علجت، بأنه تعرف على الشيخ حينما كان شابا قادما من مسقط رأسه جيجل إلى العاصمة في العام 63 عن طريق أحد أبنائه، وكان ذلك بالحي الشعبي بلكور.
ويرى الهادي الحسنى في آيت علجت بأنه تتوفر فيه أوصاف عباد الرحمان الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الفرقان، مؤكدا بأن من بين آخر ما تعلمه عن الشيخ، القدرة على الجمع ما بين الإصلاح والزهد، فقد كان دائما يردد المقولة التالية "لا نتخرف ولا نتطرف"، فهو في تقدير الأستاذ الحسني رمزا للوسطية، وكان خلقه الحياء "ويبقى العود ما بقي الحياء"، فهو يستحي من أنداده ومن أبنائه.
وتأسف المتحدث لكونه لم يحتك مباشرة بالعلامة آيت علجت، لكنه كان محظوظا، لأنه تتلمذ على يدي أحد المقربين منه وهو الشيخ محمد الصالح الصديق، الذي قضى أزيد من ثلاث سنوات رفقة آيت علجت في ليبيا خلال الثورة، في إطار مهمة ثقافية وتعليمية.
ودعا الهادي الحسني في ختام مداخلته إلى أن تشمل مبادرة الشروق علامة آخرين من مختلف أنحاء الوطن، الذي لم يسعفهم الحظ في البروز لعوامل عدة.
لطيفة بلحاج
تكريم الشروق لآيت علجت يبكي نجله محمد الصالح
لم يستطع ابن الشيخ الأستاذ محمد الصالح آيت علجت حبس مشاعر الفرحة والسرور بتكريم والده من طرف جريدة الشروق اليومي، ليشرع في شكر القائمين على هذا التكريم بداية من المدير العام للجريدة السيد علي فوضيل وجميع العلماء والمشايخ الذين تكبدوا شقاء الحضور. وذكر مآثر وخصال الشيخ، لتحبسه دموعه عن مواصلة الكلام والتعبير عما يختلج صدره من حب لوالده. وذكّر المتحدث ببعض الجوانب الشخصية لأبيه داخل الأسرة منذ صغره، حيث كان يحب أهله ويكرمهم كما كان بارا بأبيه ويعامله باحترام وحب كبير مما جعل أباه "جد المتحدث" يقدره ويحبه حبا منقطع النظير ويطلب منه التفرغ لطلب العلم وإصلاح الناس وترك متطلبات العائلة له حتى توفي سنة 1947، حيث أحس الشيخ بفراغ كبير وجمع بعدها بالإشراف على متطلبات العائلة وتعليم الناس.
بلقاسم حوام
أصداء الندوة التكريمية
– تأثر المستشار الإعلامي للشروق علي ذراع بخصال الشيخ تأثرا كبيرا لدرجة أنه لم يستطع مواصلة الكلام ودعا الله أن يحفظ الجزائر بأمثال الشيخ.
– دعا الدكتور محمد صالح صديق على الشيخ ألا يموت أبدا ليستفيد منه الجيل اللاحق.
– لم يخل الفوروم من روح الدعابة حيث طلب الأستاذ محمد فارح إحضار الحلويات والقهوة في نهار رمضان، وطلب الدكتور محمد صالح صديق من الشيخ أن يغضب لأنه لم يغضب قط.
– قال الشيخ أثناء تكريمه إنه ليس عالما وليس مجاهدا ولا يستحق التكريم، وما زاده هذا الكلام إلا سموا ورفعة في أعين الحاضرين.
– حضر رئيس التحرير محمد يعقوبي ونائبه رشيد ولد بوسيافة الندوة واقفين ولم تمنعهما مهمتهما من سماع شهادات المشايخ وحضور التكريم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تقديرهما للعلماء وحبهما للشيخ.
– ظهر التأثر الشديد على وجوه المشاركين في الندوة من فرط تواضع الشيخ "آيت علجت"، حتى أن بعض المشاركين كان يذرف الدموع دون أن يحس بذلك.
– عبر الشيخ العلامة آيت علجت كثيرا عن فرحته بالهدية الرمزية التي قدمتها له الشروق، وقال هي المرة الأولى تتناسب الهدية مع مقاسه، في حين أن كل الهدايا السابقة التي كانت عبارة عن ألبسة فاقت مقاسه، وقد دعا الله بأن يلبس مسؤولو الجريدة لباس التقوى.
جمعها :بلقاسم. ح/ كريمة. خ / عياد. أ

الأمازيغي الذي باع حقل الزيتون ليطلب العلم
في ضيافة الشيخ العلامة الطاهر آيت علجت
الأمازيغي الذي باع حقل الزيتون ليطلب العلم

حدثني الكثير من العلماء والمثقفين ورجال السياسة عن خصال الشيخ العلامة "الطاهر آيت علجت" التي يندر أن تجتمع في شخص واحد، ولطالما سمعت عنه، لكني لم أتشرف بلقائه، لكن الله أراد فجمعني به في بيته ببوزريعة في يوم مبارك من أيام شهر رمضان المعظم. ولقد ذهلت وأنا أتأمل وجهه الذي تكسوه مسحة من البياض الذي لا يُرى إلا في وجوه العلماء الأجلاء الأتقياء.. وجوه جنة الخلد.

العقيد عميروش كان صاحب فضل كبير في تعليم الجزائريين
وأصدق القراء القول أن اللحظات التي قضيتها ببيته شعرت فيها بطمأنينة وهدوء لم يسبق وأن عشته في حياتي، وأحسست أن الملائكة تطوف بنا وأن الكلام العذب الذي يخرج من فم الشيخ "الطاهر آيت علجت" من قطوف كلام الربانيين. أبهرني بتواضعه الشديد وحكمته الصائبة ونشاطه الدؤوب وهو في عقده التاسع، وعندما قبلته على جبينه إكراما له وضع رأسي بين يديه وقبلني في جبيني وهو يدعو للشروق بدوام الإشراق، ثم فتح قلبه وتحدث بصوته الخافت عن أهم محطات حياته التي سخر فيها حياته لخدمة كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

تراب بلدة "تمڤرة" يزدان بخطواته الأولى
على تراب بلدية "تمڤرة" ولاية بجاية، رأى الشيخ العلامة "الطاهر آيت علجات" نور الحياة في الخامس من محرم عام 1335 هجرية الموافق للسابع من فيفري 1917م، وخطا بذات المكان خطواته الأولى في دنيا العلم والمعرفة، حيث ختم القرآن الكريم وعمره لايتجاوز 12 سنة، كما تلقى في نفس الفترة العلوم الشرعية والعربية والتاريخية ومبادئ الحساب والجغرافيا والفلك على أيدي أساتذة جزائريين يأتي في مقدمتهم معلمه الأول الشيخ "السعيد اليجري"، الذي كان يلقبه الشيخ ابن باديس بالشيخ المفكر، وكذلك الشيوخ محمد علي الطيبي، الشيخ الحلو الخياري، الشيخ السعيد الحناشي، الشيخ مصباح التونسي، الشيخ محمد الغزواني التونسي والشيخ محمود قريبة التونسي.

زاوية تمڤرة.. من روضة للعلم إلى معقل للمجاهدين

يعود تاريخ تأسيس زاوية "تمڤرة" إلى القرن التاسع الهجري، ومؤسسها هو الشيخ "يحي العيدلي"، واستمرت في نشاطها التنويري إلى غاية تهديمها من طرف الاستعمار الفرنسي بعد قنبلتها في غارة جوية ظالمة سنة 1956م. وبعد الاستقلال أعاد الشيخ "الطاهر آيت علجت" بناءها من جديد فتحولت إلى روضة لتخليص العقول من الجهل والأمية. ثم سافر إلى جامع الزيتونة بتونس وأكمل تعليمه على أيدي الشيوخ الأفاضل "الزغواني، أحمد بن ميلاد، ابن عاشور، لحبيب بلخوجة، الشاذلي النيفر" وغيرهم من النجوم اللامعة في عالم العلم والمعرفة الذين زانت بهم زوايا جامع الزيتونة.
وفي سنة 1938م أتم دراسته وعاد إلى أرض الوطن ليمتهن التدريس في زاوية "سيدي يحي العدلي" ببلدته وكان نظامها داخليا. وكان يقدم فيها دروس تعليم القرآن الكريم والعلوم العربية والشرعية والإنسانية إلى غاية التحاقه بصفوف جيش التحريرالوطني أواخر سنة 1956م.

مستشارا وقاضيا ورجل ثقة لدى الشهيد عميروش

كان للشيخ الطاهر "آيت علجت" علاقة وطيدة بالشهيد العقيد عميروش الذي كان يزوره باستمرار في زاويته "بتمڤرة"، وقد تعرف عليه أول مرة سنة 1955م في لقاء عابر ببلدته. وبعد حادثة تهديم الزاوية طلب من عميروش الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني فقبل طلبه وعينه في مهمة مستشار له، وفي الوقت نفسه قاضيا ومفتيا في المنطقة الأولى من الولاية الثالثة.
ولخص الشيخ دوره كقاض في الجبال بحل المشاكل التي تقع بين المواطنين والمجاهدين على حد سواء، وأكد أن هذه المهمة لم تكن منظمة قبل مؤتمر الصومام، لكنها أصبحت مقننة بعده. وكانت المحكمة في تلك الفترة مثل محاكم اليوم من حيث الأداء. وإن لم تكن المحاكمات تجرى في قاعة فإنها كانت تتشكل من قاض ومحامين، ولايطبق الحكم على المتهمين إلا إذا تمت مداولات الفصل النهائي. وأضاف أنه كان دائما يعمل على الإصلاح الودي بين المتخاصمين، وقد ساعده في نجاحه في أداء عمله علاقته الودية بقادة الثورة المبنية على الصدق والاحترام المتبادل.

عميروش أمره بمهمة تاريخية بتونس

في أواخر 1957م أمره الشهيد العقيد عميروش بالسفر إلى تونس وكلفه بالإشراف على النشاط التعليمي للطلاب الجزائريين هناك. وقد بذل الشيخ "آيت علجت" لتحقيق هذه المهمة التاريخية قصارى جهده، حتى أنه تمكن من إرسال بعثات عديدة إلى الدول الشقيقة والصديقة للجزائر لاستكمال دراستهم بعد تكوينهم الأساسي بتونس، وذكر الشيخ أن الدكتور "محمد الشريف قاهر" عضو المجلس الإسلامي حاليا والشيخ "أرزقي كتاب" رحمه الله كانا من ضمن المثقفين الذين استفادوا من مساعدة لاستكمال دراستهم في الخارج. وأثناء تأدية مهمته في تونس لم يتوقف عن التعليم، إذ كان مدرسا بمدرسة "سانت هنري"، وفي الكثير من روضات العلم التي ازدانت بها تونس الشقيقة في تلك الفترة.

باع حقلا للزيتون ليتفرغ للعلم

عندما كان الشيخ "آيت علجت" يزاول مهمته التنويرية بزاوية "تمڤرة" زاره شيخه "السعيد اليجري" رحمه الله وقدم له نصيحتين من ذهب لكي يتمكن -لو عمل بهما- من الاستمرار في أداء مهمته النبيلة: الأولى ألا يكلف نفسه أعباء استقبال الضيوف الذين سيتكاثرون بمرور الوقت لما يتطلبه ذلك من مصاريف ترهق كاهله، والثانية أن يقتنع بأن مهمته التي تحملها لا تدر عليه أموالا، فنصحه بأن يبيع جزءا من أملاكه ليغطي نفقاته ويواصل رسالته النبيلة. فما كان من الشيخ "الطاهر" إلا العمل بالنصيحتين، فقام ببيع حقل زيتون ورثه عن والده وسخر ثمنه لخدمة مهمته ومواصلة دربه المنير. للإشارة فإن الشيخ "السعيد اليجري" كان من مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان عضوا إداريا بها في بدايات تأسيسها.

الشيخ آيت علجات يتعامل مع جميع الهيئات الوطنية

رغم كون الشيخ "الطاهر آيت علجت" عضوا عاملا بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ سنوات طويلة، إلا أنه يقدم المشورة لكل الهيئات والحركات الوطنية، ويتعامل مع الجميع بقلب مفتوح خال من أي تعصب أو حساسية، ولديه علاقات طيبة مع كل الناس نظرا لكرمه وتواضعه الشديد الذي أصبح عملة نادرة في أيامنا هذه. وقد أكد لنا أحد طلبته الشباب وعيناه تدمعان أنه في إحدى حلقاته العلمية كلف الشيخ نفسه حمل أحذية الطلبة ليسلمها لهم الواحد تلو الآخر دون أية حساسية ولا إحساس بالكبر. وقد أنعم الله سبحانه وتعالى عليه بذرية صالحة كل أفرادها – ذكورا وإناثا- يشتغلون بالتعليم بمختلف اختصاصاته من الابتدائي إلى الجامعي.

شهادة رفيقه الشيخ "محمد الصالح الصديق"
قال رفيق دربه الشيخ "محمد الصالح الصديق" أن الشيخ "آيت علجت" رجل رباني خدوم كريم ومتواضع، وهو مجاهد صادق، سعى بقلبه الواسع النظيف إلى خدمة كتاب الله تعالى وسنة نبيه وخدمة الناس من دون أن يبغي وراء ذلك جزاء ولا شكورا. وقال أيضا أنه خجول جدا وصاحب وطنية صادقة وموسوعة في الفقه الإسلامي ومحافظ على سيرة السلف الصالح قولا وعملا. وذكر أنه قضى معه أياما لاتنسى في ليبيا مكنته من اكتشاف معدنه النفيس وخصاله الحميدة ودعا له بأن يبارك الله في عمره.

بارك الله فيك

شكرا لك اخي على هذه المعلومات
نفخر وتفخر الجزائر ان يكون لدينا مثل هؤلاء العلماء

الجيريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.