تخطى إلى المحتوى

أهل البيت في ضوء الكتاب والسنة 2024.

أهل البيت في ضوء الكتاب والسنة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم وأهل بيته أجمعين. وبعد:
يقول الله سبحانه : ((رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ)) . [هود : 73]
ويقول سبحانه : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) . [الأحزاب : 33]
ويقول تعالى: ((قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)) [الشورى : 23](
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه ، عن زيد بن أرقم : قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً – بين مكة والمدينة – فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : "أما بعد … ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : "وأهل بيتي : أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي" .
وعلى ضوء هذا التوجيه النبوي المعصوم يتضح أول ما يتضح :
إن من أحب شيئا آثره ، وآثر موافقته ، وإلا لم يكن صادقاً في حبه، وكان مدعياً ونيل الشيء بعد الطلب ، ألذْ وأعزْ من المُساق بغير تعب، والمحبة بعد القطيعة أحلى من المحبة بلا قطيعة والصفاء بعد الجفاء أصفى من الصفاء بلا جفاء ، وفطام النفس من مألوفاتها وعوائدها أشد معالجة من النفس السلسة المنقادة من غير تعب ، فالأجر أو القدر على قدر التعب .
والصادق في حب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تظهر علامة ذلك عليه بالاقتداء به صلوات الله وسلامه عليه ، وإتباع سنته في أقواله وأفعاله، وأحواله ، وامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه ، ولزوم طاعته في حبه لآل بيته ، وحب آل بيته لحبه صلى الله عليه وآله وسلم.
وأهل البيت هم المختصون بالطهارة الحقة ، فهم الذين اختصهم الله بمحبته ، وانتدبهم لأن يكونوا ورثة علمه والداعين إليه ، وأظهرهم ليظهر لك عجائب قدرته ، وأكرمهم بمختلف الكرامات ، وخلصهم من طبائع نفوسهم ، ونجاهم من إطاعة هوى أنفسهم حتى صارت كل أفكارهم مستقلة به سبحانه وتعالى ، وعلاقاتهم معه لا مع غيره فمحبتهم أساس الطريق إلى الله تعالى ، وأصله وكل الأحوال والمقامات درجات للمحبة ولقد أكرم الله سبحانه وتعالى أهل البيت بتعليم جاهلهم ، وإرشاد ضالهـم ، وتقوية ضعيفهم ، فالتواضع لهم حق ، والإستنصاف لهم واجب ، والخدمة بقدر الإمكان لهم قرب وإذا كان الله سبحانه وتعالى، تفضل وأولى وطهر وزكى ، وكرم وأكرم آل بيت النبوة كما جاء بذلك قوله سبحانه : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) . [الأحزاب : 33]
فلا أقل من أن يكون هذا التفضيل الإلهي ، والكرم الرباني ، له إيثاره في قلوب بني البشر ، استجابة لأمر الله ، وتحقيقاً لدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
والإيثار لحب أهل بيت النبوة ، استجابة لله ولرسوله ، والأدب معهم إنما يتحقق ذلك بحفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين ، فلا يغتاب أحد منهم ولا ينقص قـدره ، فالغيبة حرام بالإجماع لاسيما في حق أهل البيت والأولياء ؛ لأن لحومهم سموم قاتلة كلحوم العلماء والأنبياء .
أما الذين لهم قوة اليقين ، ونور البصيرة ، فإنهم ساكنون تحت جريان الحكـم : يرون الغائبات عن الحواس بعيون البصيرة من وراء ستر رقيق ، فلا الطوارق تهزمهم ، ولا هواجم الوقت تستفزهم وعن قريب يلوح علم اليسر ، وتنجلي سحائب العسر ، ويمحق الله كيد الكائدين.
فأهل القلوب والبصائر ، والذوق والمشاهدة ، يؤثرون أهل البيت بالحب الصادق ، والوفاء الكامل ، والإخلاص المخلص ، والإجلال الوافر لا ابتداعاً منهم ، بل امتثالاً لأمر خالقهم ، وتعظيماً لقدر نبيهم ، واستجابة لقول رسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فيما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، وأبو الشيخ، وابن حبان في صحيحه ، والبيهقي مرفوعاً انه صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحب إليه من عترته ، وأهلي أحب إليه من أهله ، وذاتي أحب إليه من ذاته".
وكما أخرج البيهقي ، وأبو الشيخ ، وابن حبان في صحيحه عن علي كرم الله وجهه قال : (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغضباً حتى استوى على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : "ما بال رجال يؤذونني في أهل بيتي ؟ والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني ، ولا يحبني حتى يحب ذريتي") .
ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه:
"صلة قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إلي من صلة قرابتي".
ويتفاعل سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم تفاعل الحكيم الناطق بالحق فيقول : فيما أخرجه الترمذي في سننه والحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما : "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي" . ويعلق صاحب فيض القدير على قوله : "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه" فيقول : أحبوا الله لجلّ إنعامه عليكم بصنوف النعم ، وضروب الآلاء الحسية : كتيسير ما يتغذى به من الطعـام والشراب ، والمعنوية : كالتوفيق والهداية ، ونصب أعلام المعرفة ، وخلق الحواس ، وإفاضة أنوار اليقين على القلب ، وغير ذلك من الأغذية الروحية المعلوم تفصيلها عند علماء الآخرة .
ثم يعلق الفخر الرازي على هذا فيقول : "ونعم الله سبحانه وتعالى لا تحصى ؛ لأن كل ما أودع فينا من المنافع واللذات التي ننتفع بها، والجوارح والأعضاء التي نستعملها في جلب المنافع ، ودفع المضار وما خلق في العالم مما يستدل به على وجود الصانع وما أوجد فيه مما يحصل الزجر برؤيته عن المعاصي مما لا يحصى عدده ، كله منافع ؛ لأن المنفعة من اللذة ، أو ما يكون وسيلة إليها وجميع ما خلق الله كذلك؛ لأن كل ما يلتذ به نعمة ، وكل ما لا يلتذ به وسيلة إلى دفع ضرر ، وهو كذلك وما لا يكون جالباً للنفع الحاضر ، ولا دافعاً للضرر هو صالح للاستدلال به على وجود الصانع الحكيم يقع وسيلة إلى معرفته وطاعته، وهما وسيلتان للذات الأبدية فثبت أن جميع مخلوقاته نعمة على العبيد" .
وبما تقرر عرف أن محبة العبد لله لا تحتاج إلى تأويل بخلاف عكسه .
يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ورضي عنه : "محبة العبد لله حقيقة لا مجازية ، إذاً المحبة في وضع أهل اللسان ، ميل النفس إلى مواقف العشق : الميل الغالب المفرط والله تعالى سبحانه ، محسن جميل، والإحسان والجمال موافقة ومحبة الله للعبد مجازية… ترجع إلى كشف الحجاب حتى يراه بقلبه وإلى تمكينه إياه بالقرب منه".
وفي شرح المواقف … محبتنا لله تعالى ، كيفية روحانية مترتبة على تصور الكمال المطلق له تعالى ، على الاستمرار ومقتضيه إلى التوجه التام لحضرة قدسه ، بلا فتور ولا قرار .
"وأحبوني لحب الله"
بمعنى إنما تحبوني لأنه سبحانه وتعالى أحبني فوضع محبتي فيكم، كما يصرح به الخبر الصحيح : "إذا أحب الله عبداً ، نادى جبريل : إن الله يحب فلاناً فأحبوه" .
"وأحبوا أهل بيتي لحبي" . أي إنما تحبونهم لأني أحببتهم بحب الله تعالى لهم . وقد يكون أمراً بحبهم ؛ لأن محبتهم لهم تصديق لمحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
((قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)) [الشورى : 23] .
وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه ساووه – كما يقول الفخر الرازي في خمسة أشياء : في الصلاة عليه وعليهم في التشهد… وفي السلام يقال في التشهد : السلام عليك أيها النبي .
وقال تعالى : ((سَلامٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ)) . [الصافات : 130]
وفي الطهارة قال تعالى : (طه) سورة طه : 1 – أي يا طاهر.
وقال تعالى : ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [آل عمران : 31] .
وقال تعالى : ((قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)) [الشورى : 23] .
وحـب آل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وودهم والولاء لهم ، وتعظيمهم واحترامهم وتكريمهم ، ورد به الأمر الإلهي في القرآن الكريم ، والأحاديث الصحيحة وإجماع السلف والخلف من الأمة .
وليس هذا فحسب … بل ويقضي بذلك العقل أيضاً قياساً على ما تقرر من وجوب شكر المنعم ، وسيدنا رسول الله صلى الله وعلى آله وسلم ، نبي الرحمة وهادي الأمة ، ومنقذ البشرية منعم علينا بذلك كله فشكره وتقديره واحترامه وتكريمه واجب علينا ، ومن شكره وتقديره إكرام ذريته والتودد إليهم .
منقول للفائدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.