تخطى إلى المحتوى

أبناؤنا والعطلة 2024.

الخميس, 23 يونيو 2024 09:51 أ. خالد عبد السلام

.تعتبر العطلة الصيفية أطول العطل المدرسية بالنسبة للتلاميذ من حيث المدة الزمنية التي تتعدى الشهرين (من منتصف شهر جوان إلى الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر) والتي تحدث حالة طوارئ وقلق كبير داخل الكثير من الأسر الجزائرية وتجعلها تعيش على الأعصاب نتيجة العبء والثقل الذي يفرضه أبناءها طيلة العطلة من حيث كثرة مطالبهم وانشغالاتهم اليومية، وعدم استقرارهم في مكان واحد أو على وضعية معينة داخل البيت وفي الحي الذي يتواجدون فيه خاصة الصغار منهم.

كما يواجه الكثير من التلاميذ والأطفال مشكلة الفراغ وما تنتجه من حالات الشعور بالتيه، الحيرة والقلق أو الفتور لديهم حول كيفية تغطية أوقات الفراغ وبماذا في كل تلك الأيام الطويلة والحارة؟ في ظل إهمال كلي من قبل الجميع، من الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتربوية التي قلما يفكر مسئوليها في كيفية استثمار العطلة الصيفية من خلال توفير الظروف والشروط اللازمة لقضاء أيام مريحة وسعيدة تزرع في النشء الاطمئنان والتفاؤل.

وهو الأمر الذي جعل الشوارع والأحياء عامرة بالأطفال في مختلف الأعمار والمعرضين لكل الإحتمالات والعواقب (كالتشرد، التسكع والانحراف) حتى أن الزائر لمدننا وأحيائنا حينما يصادف مثل تلك المواقف والصور يحس وكأن هؤلاء ليست لديهم عائلات ترعاهم ولا مجتمع يتدبر أمرهم.

ونتيجة لغياب فكرة الوقت (notion du temps) من ثقافتنا الاجتماعية، وانعدام المنهجية والتنظيم في سلوكياتنا اليومية، أو بتعبير آخر اللامبالاة التي ميزت نظام حياتنا في جميع المستويات، مع تيه الأسر الجزائرية بين مشاكلها ووضعيتها الاقتصادية والاجتماعية، وانسحابها النسبي من مسؤولية تربية أبنائـها، أصبحت في كل عطلة صيفية تشهد عدة ظواهر وسلوكيات لافتة للانتباه لدى الأطفال والمراهقين تعبر على أخطار وعواقب الفراغ الذي يعيشونه. فما هي أهم مظاهر آفة الفراغ لدى أطفالنا خلال العطل الصيفية؟ لماذا هذه الظواهر لدى الأطفال والمراهقين؟ وكيف يمكن استثمار العطلة الصيفية بشكل ايجابي يساعد على التخفيف من الآثار السلبية للفراغ؟ كلها أسئلة سنحاول الإجابة عليها في هذا الموضوع مع التأكيد على ضرورة مراعاة واقع وظروف كل أسرة ومنطقة من حيث المرافق، الفضاءات والامكانيات المتاحة، وليس بالضرورة أن يتوفر كل شئ لدى الجميع، إنما الحكمة تقتضي استغلال وتسخير ما هو موجود ومتوفر ولو كان بسيطا بشكل جيد وموضوعي، وبها يمكن تحقيق نتائج وأهداف قد لا يحققها الذين يتوفرون على أحسن الشروط والظروف بسبب سوء الاستغلال والتوظيف.

المظاهر الناتجة عن آفة الفراغ خلال العطل المدرسية: تنجر عن سوء استثمار أوقات فراغ التلاميذ خلال العطل المدرسية عدة مظاهر سلبية في المجتمع الجزائري وتتمثل في:
1- كثرة الحوادث المنزلية الخطيرة ( الحروق، الكسر من الأطراف، اتلاف الأثاث والتجهيزات المنزلية … وغيرها).
2- كثرة المشاكل والمشاجرات بين أفراد الأسرة الواحدة خاصة بين الوالدين وبين الأسر المختلفة (بين الجيران وبين الأحياء) قد تصل بعضها إلى العدالة وهو ما يحدث توتر وفساد في العلاقات الاجتماعية .
3- كثرة مظاهر التسكع في الأزقة والشوارع والأسواق كفضاء (لقتل الوقت بالتعبير الشعبي) وما ينجر عنها من سلوكيات تنمي في التلاميذ الاستعداد للانحراف.
4 ـ انتشار مظاهر السرقة والتسول لدى الأطفال والمراهقين تحت إشراف عصابات متخصصة في استغلال البراءة .
5 ـ الإقبال على تناول المنشطات المختلفة (كالتدخين والمخدرات، الكحول) من خلال الاحتكاك بعصابات المنحرفين داخل الأحياء.
6 ـ الانقطاع الكلي عن المطالعة وعن كل ما له علاقة بالدراسة والمدرسة، وعواقب ذلك أن الكثير من التلاميذ بعد العودة إلى المدرسة، حينما يسألون عن بعض المعارف التي درسوها من قبل يبدون وكأنهم لم يتعلموا شيئا.

ومن المؤشرات المعبرة عن هذا من الدراسة ما نلاحظه في الأيام الأخيرة قبل العطلة:
ـ كثرة الغياب .
ـ تمزيق الكراريس مباشرة بعد الانتهاء من الاختبارات وهو ما نلاحظه خارج المؤسسات التربوية كل سنة دراسية خلال فترة امتحانات الفصل الثالث ( أوراق الكراريس وحتى الكتب في بعض الأحيان متطايرة هنا وهناك ..)
ـ رمي المحفظة واللعب بها في الطريق …. وغيرها من التصرفات .

ومن خلال هذه العواقب الخطيرة التي تنجر عن الفراغ يستلزم الأمر من جميع الأولياء والمجتمع ككل التفكير الدوري في كيفية توعية وتنظيم حياة الأبناء (الأطفال والمراهقين) من أجل ضمان تنشئة متوازنة وسليمة لهم من الاضطرابات النفسية التي تتولد عنها سلوكيات اجتماعية خطيرة.

لماذا ضرورة تنظيم الوقت للأطفال والمراهقين خلال العطلة؟
حتى يدرك الأولياء والمربون الـسر الذي يقف وراء أهمية وضرورة هذه العملية التنظيمية يجب التعريف ببعض خصائص الطفولة والمراهقة والمتمثلة فيما يلي:
1 ـ لأن الأطفال و المراهقين لهم طاقة ونشاط زائدين تجعلانهم لا يستطيعون البقاء على وضعية معينة أو الاستقرار في مكان واحد دون حركة أو تنقل ، ولذلك:
ـ تجدهم يبحثون دائما عن الوسائل والفضاءات المتاحة لهم من أجل تفريغ طاقاتهم ونشاطاتهم فيها.
ـ تجدهم يكثرون الشغب والمطالب الترفيهية المختلفة .
2 ـ أنهم في حاجة الى مرح ولعب وتسلية، ولهم ميل كبير للعب لذلك يلجئون دائما إلى إيجاد وإصطناع الألعاب والنشاطات التي تلهيهم وتسليهم من أجل تكسير الملل والروتين الذي يفرضه عليهم الواقع اليومي.
3 ـ ان المراهقين خاصة يعيشون تحولات فيزيولوجية ونفسية عميقة من خلال نمو النشاط الجنسي ،والشعور بالذات وحب تقدير الغير له والميل الى الجنس الآخر كلها عوامل إضافة الى ازدياد نشاط الغدد في المناخ الحار تجعل هؤلاء إن لم يشغلوا أنفسهم أولم يشغلوا بالنشطات الهادفة التي تعمل على تنمية وتفتح شخصياتهم بشكل ايجابي ومتوازن فإنهم سينشغلون بكل ماله علاقة بالتهور والفساد.
ومثل هذه المميزات والاعتبارات السيكولوجية تعتبر طبيعية وعادية في الانسان خلال هذه السنوات الأولى .
لكن من الناحية التربوية والاجتماعية حينما يترك الأطفال والمراهقين للشارع ويقومون بنشاطات وأعمال متهـورة،عشوائية وفوضوية أو غير منظمة ولا هادفة قد تضر بهم أكثر مما تنفعهم وبالتالي تضر بالمجتمع ككل. ولهذا تقول القاعدة التربوية المشهورة: " إذا لم تشغل نفسك بالخير فإنها ستشغلك بالشر".

فما هي الوسائل التي تساعد على حسن استثمار العطلة الصيفية؟
تتطلب عملية الاستثمار الجيدة للعطلة الصيفية لفائدة التلاميذ، توزيع أيام العطلة بين فترات اللعب، التنزه، الترفيه، المطالعة، المراجعة، والراحة عن طريق:
1ـ المخيمات الصيفية: على الأولياء استغلال فرصة المخيمات الصيفية المتوفرة والتي تشرف عليها مختلف الجمعيات والمنظمات والهيئات الرسمية من خلال تسجيل أبنائهم فيها وبالتالي تمكينهم من اكتشاف فضاءات العالم الخارجي، السياحي، الثقافي، وكذا الجغرافي. والتي تساعدهم على تفتح شخصياتهم وراحة بالهم إلى جانب تسهيل عملية ادماجهم الاجتماعي.
2ـ تنظيم مسابقات ودورات رياضية، ثقافية وعلمية متنوعة: تراعى فيها اهتمامات ومستويات التلاميذ المختلفة ،وتكون موزعة طيلة أيام العطلة وتسهر على تنظيمها مخلف الجمعيات والنوادي الثقافية ودور الشباب والمنظمات وكــذا لجان الأحياء وجمعيات الأولياء بالتنسيق فيما بينها وبين السلطات المحلية من أجـل ملء الفراغ بالنشاطات المفيدة والهادفة وبالتالي تشغيل الأطفال والمراهقين بالأمور الجدية وتعويدهم على روح المبادرة وتقدير الوقت ،العمل و المنافسة الشريفة.

3ـ توفير الألعاب التربوية دا خل البيوت بحسب إمكانيات كل أسرة: وهي وسائل هامة لتشغيل الأبناء بالأمور الهادفة والمسلية ،على ان تكون متناسبة مع مستوى النمو العقلي لكل طفل . ومن أهم الالعاب المفيدة: التركيب بمختلف أنواعه، التلوين، الكلمات المتقاطعة باللغتين (العربية والفرنسية) (scrable)، تقطيع الورق لبناء وتركيب الأشكال والحروف المختلفة (لأطفال السنوات الأولى 3 الى 5 سنوات)، الشطرنج … وغيــرها. ومن فوائـدها:
ـ تنمية الجانب الحسي الحركي من خلال ( اللمس، القبض، الرؤية …وغيرها).
ـ التسلية والترويح عن النفس.
ـ تنمية القدرات العقلية المختلفة (كالتركيب، التحليل والاستنتاج).
ـ تهدئة التوترات النفسية، وجمع شتات البال من خلال التركيز على موضوع أو إشكالية محددة.
ـ تنمية الثروة اللغوية(باللغتين العربية والفرنسية).
ـ تنمية عملية التفكير، من خلال مواجهة المشكلات المطروحة أمامهم والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها.
4 ـ تنظيم رحلات ونزهات ترفيهية وسياحية: إلى مختلف مناطق الوطن وخاصة المناطق السياحية، الأثرية ، والساحلية (إلى البحر نظرا لطبيعة مناخ فصل الصيف الذي يمتاز بشدة الحرارة).ويمكن ان تساهم في تنظيمها لجان الأحياء، الجمعيات، المنظمات الجماهرية، الأولياء بشكل دوري خلال نهاية كل أسبوع أو في كل أسبوعين حسب امكانيات وظروف كل عائلة ومنطقة.
5 ـ تخصيص ساعات للمطالعة والمراجعة أسبوعيا: سواء في البيت أو في المكتبات العمومية وذلك من أجل تدعيم ما اكتسبوه وسد الثغرات والنقائص التي يعاني منها كل واحد منهم وفي نفس الوقت ضمان تهيئتهم وتحضيرهم بشكل جيد للعام الدراسي الجديد. ولتحفيز التلاميذ وتشجيعهم على هذا الجانب الثقافي المعرفي يستلزم الامر من جميع الأولياء بالتنسيق مع مسؤولي المكتبات او الجمعيات تنظيم مسابقات وجوائز لـ "من يطالع أكثر" "أو أحسن الملخصات، بطاقات مطالعة" أو"احسن بحث" أو" تحفيظ القرآن في المساجد". وتستغـل في ذلك كل الوسائل التربوية لخلق مناخ ثقافي وتربوي يشجع على القراءة والمطالعة، بشرط أن تكون خفيفة غير مرهقة ومملة تتناسب وطبيعة المناخ الصيفي.
6 ـ تعويد الأبناء على ضرورة التزام القيلولة يوميا: وذلك لضمان لهم الصحة النفسية والجسمية اللازمتين خاصة مع أيام الصيف الطويلة والمتعبة وبالتالي تجنيبهم من كل مظاهر التسكع في الأزقة والشوارع
ووقايتهم من مختلف الامراض المعروفة في فصل الصيف.

فبهذه الوسائل والنشاطات المتنوعة إذا روعيت طيلة أيام العطلة الصيفية من قبل مختلف الهيئات الرسمية والجمعيات والنوادي الثقافية ولجان الأحياء وكذا الأولياء بالتنسيق والتعاون فيما بينهم يمكن أن نقلل الكثير من المشاكل الصحية الاجتماعية والدراسية الناتجة عن الإهمال واللامبالاة وبالتالي نكون قد استثمرنا أوقات الفراغ بما يعود على أبنائنا بالفائدة. لأن الفراغ يقتل المواهب، يبدد الطاقات، يفسد السلوك والأخلاق ويساعد على الانحراف الاجتماعي لأنه كما تقول الحكمة" الإناء، إذا لم نملأه شرابا فإنه سيملأ هواء".
الموضوع منقول

بارك الله فيك

مشكور أخي على التفاعل …منكم نستفيد ونستزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.